وإذا انعقد الإجماع على جواز ترك شيء منه، فليس مقدار أولى من مقدار.
فهذا هو القدر اللائق بهذا الكتاب، وما زاد عليه فهو من مباحث الفقه «١».
قوله تعالى (وَأَرْجُلَكُمْ) فيه قراءتان: النصب والجر.
أما النصب، فهو من حيث الإجراء على الأصل. لأن الرجل في موضع النصب، لأنه وقع الفعل عليه، والرأس كمثل، إلا أن الرأس انتصب «٢» للباء الجارة، فبقيت الرجل على الأصل «٣».
ويجوز أن يكون الجر للمجاورة، وفي كسر الجوار أمثلة من القرآن وأشعار من العرب، مستقصاة في كتب الفقه والأصول.
واعترض عليه بأن الأليق بكتاب الله تعالى مراعاة المعنى دون النظم وكسر الجوار، إنما يصير إليه من رام تغليب النظم على المعنى مثل الشعراء، فأما من رام تغليب المعنى فلا يصير إلى كسر الجوار، ومتى كان حكم الأرجل في المسح مخالفا حكم الرأس، لم يجز الجر بناء على المجاورة في النظم، مع الإختلاف في المعنى، وهذا كلام حسن.
فقيل لهم: بل هما في المعنى متقاربان، فإنهما يرجعان إلى إمساس العضو الماء.
فقال في الجواب عنه: إن الشرع أراد تفرقة ما بين البابين فقال:
فاغسلوا وجوهكم، ثم قال: وامسحوا.. فلو كانا متقاربين في المعنى لم يقصد إلى التفرفة بينهما.

(١) انظر تفسير القرطبي ج ٦ ص ٨٧- ٨٨- ٨٩.
(٢) الرأس انتصب محلا وان كسر لفظا بسبب الباء.
(٣) لتوضيح هذه المسألة انظر تفسير القرطبي ج ٦ ص ٨٩- ٩٠- ٩١- ٩٢


الصفحة التالية
Icon