فأما قراءة اللمس فظاهرة في الجس والملامسة، من حيث إنها على صيغة المفاعلة، ويقال استعمالها في الجس باليد، توهم قوم أنها بمعنى الجماع، وكيف ما قدر أمكن أن يعمل بالقرائن. وتجعل القرائن كالإثنين فيعمل بهما جمعا، أو يجعل اللمس محمولا على الجس باليد وعلى الجماع أيضا، لأنه يتضمن ذلك غالبا، وقد بسطنا القول في هذا فيما تقدّم فلا نعيده «١».
قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً، فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) «٢» :
اعلم أن الله تعالى ذكر المرضى فقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) ثم قال: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً)، فلا بد أن يرجع الشرط إلى ما تقدم ذكره، وعدم الماء ليس معتبرا حقيقة في حق المريض، فيدل معنى الآية على أن الله تعالى، إنما عنى بالموجود، إمكان استعمال الماء وإن كان واجدا للماء صورة، ولكنه معجوز عنه، فكأنه لم يجده، فإنا لو لم نقدر ذلك، لم يستقم جعل قوله (فلم تجدوا) عائدا إلى المرضى، وذلك خلاف الإجماع والنظم.
وإذا كان معنى الوجود إمكان الاستعمال شرعا وطبعا، ولو كان الماء عنده وديعة، فليس واجدا للماء شرعا، وإن كان في استعماله التلف فليس واجدا للماء شرعا.
وإذا ثبت ذلك فقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً)، إذن أريد به وجودا لا يتضمن ضررا ظاهرا، وإذا بيع بثمن أكثر من ثمن المثل لم يجب عليه سداده.
واختلف قول الشافعي في من وجد من الماء ما لا يكفي لتمام طهارته:

(١) انظر القرطبي ج ٥ ص ٢٢٤. [.....]
(٢) سورة المائدة آية ٦.


الصفحة التالية
Icon