التبرم على الولد عند ضعف الوالدين وحاجتهما إلى بره، ولم يقتصر تعالى على هذا القدر في بيان حقهما حتى قال: (وَلا تَنْهَرْهُما)، مؤكدا لما تقدم ودالا به على أن الواجب في بره لهما سلوك طريقة اللين في القول:
ثم قال: (وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً)، والكريم من القول ما يوافق مسرة النفس، ولا ينفر عنه الطبع.
ثم أمر بمزيد التواضع فقال: (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) «١»، وهذا الكلام في أعلى مراتب الفصاحة والتعبير عن المقصود بلفظ المجاز، لأن الذل ليس له جناح، ولا يوصف بذلك، ولكنه أراد المبالغة في التذلل والتواضع، وهو كقول امرئ القيس في وصف الليل:

فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل
يصف الليل المتقدم على هذا البيت في قوله:
وليل كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
وليس لليل صلب ولا إعجاز ولا كلكل فهو مجاز، وأراد به تكامله واستواءه.
ثم بين الله تعالى أن الذي يلزمه لهما ليس مقصورا على منافع الدنيا، بل يلزمه مع ذلك ما يمكن في باب الآخرة من الدعاء، لأنه لا يقدر منهما على ما سواه، فقال: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) «٢».
بين العلة في لزوم الدعاء لهما، وبين أنه يلزم الولد من الدعاء للوالدين، أكثر مما يلزمه في غيرهما.
(١) سورة الإسراء آية ٢٤.
(٢) تابع الآية ٢٤ من سورة الإسراء


الصفحة التالية
Icon