والآخر: / أن المعنى: فمن يعمل في الدنيا. ويكون كون الفاء بعد ذكر ما ذكر في الآخرة على معنى: أن ما يكونه الله في الآخرة من الشدائد التي ذكرها توجب أنه من عمل في الدنيا خيراً أو شراً يره، كما يقول القائل: الآخرة دار المجازاة فمن يعمل خيراً يره. ولم يرد خيراً مستأنفاً دون ما عمله العاملون.
وقد يكون ذلك أيضاً على مذهب الإرادة، فيكون التقدير: وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا كما قال الله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) «١» والقيام بعد غسل الوجه. والمعنى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
قال الفراء: ربما أتى ما بعد الفاء سابقاً إذا كان في الكلام دليل السبق.
فإذا عدم الدليل لم يجز. وذكر قول الله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) «٢» فذكر عن قوم قالوا: البأس قبل الإهلاك، كما تأولوا في «ثُمَّ» مثل هذا في قوله تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) «٣» [أي] ثم خلقكم منها. وقيل: معناها: خلقكم من نفس وحدها ثمّ جعل الزوج منها بعد التوحيد، فأفادت واحدة هذا المعنى.
قال: والأجود في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) «٤» أن يريد: ولقد خلقنا أصلكم الذي هو آدم، كما قال:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا) «٥»، معناه: خلق أصلكم، الذي هو آدم، من طين.
(٢) الأعراف: ٤.
(٣) الزمر: ٦.
(٤) الأعراف: ١٠.
(٥) الأنعام: ٢.