قلت:
وحمل ابن بحر زيادة «لا» على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية. وليس كل من يعرف شيئاً من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية. وليس كون «لا» زائدة في فحوى خطاب العرب مما يكون طعناً من الملحدة على كلام الله، لأن كلام الله منزل على لسانهم. فما كان متعارفاً في لسانهم لا يمكن الطعن به على كتاب الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وكيف يكون زيادة «لا» شاذة، وقد جاء ذلك عنهم وشاع، كقول الهذلى «١» :

أفعنك لا برق كأن وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب
أي، أفمن ناحيتك أيتها المرأة هذا البرق الذي يشبه ضوؤه ضوء غاب.
وأنشد أبو عبيدة للأحوص «٢» :
وتلحيننى في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
أي: فى اللهو أن أحبه و «لا» زائدة:
ومنه ما أنشده سيبويه لجرير:
ما بال جهلك بعد الحلم والدين وقد علاك مشيب حين لا حين «٣»
لا «فيه» زائدة إذا قلت: علاك مشيب حين حين، فقد أثبت حيناً علاه فيه المشيب. فلو جعلت «لا» غير زائدة لوجب أن تكون نافية
(١) هو: ساعدة الهذل. (اللسان ٢٠: ٣٥٤).
(٢) بغية الوعاة (١: ١٩٥).
(٣) الديوان (ص ٥٨٦) والكتاب لسيبويه (١: ٣٥٨).


الصفحة التالية
Icon