وليس الأمر في «أن» كذلك لارتفاعها بالابتداء، وإن لم يجز تقديمه في قوله: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) «١» و (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) «٢».
ولا يستقيم أن يفصل بينهما ب «أن» يقال: إنّ «أنْ» الخفيفة قد ابتدئت والثقيلة لم تبتدأ.
لأنه يقال له: ارفعه بالابتداء، وإن لم يجز تقديمه، كما رفعت «زيدا» ونحوه بالابتداء، وإن لم يجز أن يبتدأ بها في أول الكلام.
وأما قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) «٣»، فمذهب سيبويه أن في «كاد» ضمير القصة والحديث، وفسر بالجملة من الفعل والفاعل.
وجاز ذلك فيها وإن لم تكن مثل «كان» وبابها من الأفعال المجردة من الدلالة على الحدث، لمشابهتها لها في لزوم الخبر إياها.
ألا ترى أنها لا تخلو من الخبر، كما أن تلك الأفعال كذلك.
وقد أجاز أبو الحسن في قوله: (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) «٤» أن يكون في «كاد» ضمير ممن تقدم، ويرفع (قُلُوبُ فَرِيقٍ) «٥» «تزيغ».
قال: وإن شئت رفعتها، يعني «القلوب» ب «كاد» وجعلت «تزيغ» حالا.
(٢) النور: ٦٠.
(٥- ٤- ٣) التوبة: ١١٧.