وقال أبو علي: لا يتعلق «أَنْ» بقوله: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ... أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) «١» لم يسغ، ولكن يتعلق «أن» بفعل مضمر دل عليه هذا الكلام، وذلك أن قوله: (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) «٢» يدل على قولك: واستشهدوا رجلا وامرأتين، فتعلق «أَنْ» إنما هو بهذا الفعل المدلول/ عليه من حيث [ما] ذكرناه.
قال أبو الحسن «٣» في قوله: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) «٤» التقدير: فليكن رجل وامرأتان. وهذا قول حسن، وذلك أنه لما كان قوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) «٥» لا بد أن يتعلق بفعل، وليس في قوله: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) «٦» فعل ظاهر، جعل المضمر فعلا يرتفع به النكرة ويتعلق به المصدر، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو: ممن شهد به رجل وامرأتان، لأن المصدر الذي هو: أن تضل إحداهما، لا يجوز أن يتعلق به، لفصل الخبر بين الفعل والمصدر.
فإن قلت: من أي الضّربين تكون «كان» المضمرة فى قوله (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) «٧» هل يحتمل أن تكون الناصبة للخبر، أو تكون التامة؟
فالقول في ذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يقدر إضماره، فإذا أضمرت الذي يقتضي الخبر كان تقديره إضمار المخبر: فليكن ممن يشهدون رجل وامرأتان.

(١- ٢) البقرة: ٢٨٢.
(٣) أبو الحسن، هو علي بن سليمان بن الفضل النحوي الأخفش الأصغر. توفي ٣١٥ هـ (بغية الوعاة ص ٢٣٨).
(٤، ٥، ٦، ٧) البقرة: ٢٨٢. [.....]


الصفحة التالية
Icon