ومن ذلك قوله: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) «١».
قال سعيد بن جبير: إن الرسل يئسوا من قومهم أن يؤمنوا به، وإن قومهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم، فأتاهم نصر الله على ذلك.
والضمير في قوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) «٢» للمرسل إليهم، أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به، من أنهم إن لم يؤمنوا نزل العذاب بهم، وإنما ظنوا ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم وإملائه.
ودل ذكر الرسل على المرسل إليهم، فكنى عنهم، كما كنى عن الرعد حين جرى ذكر «البرق» في قوله:

أمنك البرق أرقبه فهاجا فبت إخاله دهماً خلاجاً «٣»
وفيمن شدد «كذبوا» فالضمير للرسل، تقديره: ظن الرسل، أي: تيقنوا.
«وظنوا» ليس/ الظن الذي هو حسبان.
ومعنى «كذبوا» تلقوا بالتكذيب، كقولهم: خطأته، وفسقته، وجدعته، وغفرته، فتكذيبهم إياهم، يكون بأن تلقوا بذلك.
وقيل في قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً) «٤» أي: تساقط ثمرة النخلة، فأضمر «الثمرة» لجري ذكر «النخلة»، كالرعد مع البرق، والرسول مع المرسل إليه.
(٢- ١) يوسف: ١١٠.
(٣) البيت لأبي ذؤيب. والدهم: الإبل السود. والخلاج: جمع خلوج، وهي الناقة التي جذب عنها ولدها بذبح أو موت فحنت إليه. يشبه صوت الرعد بأصوات هذه الخلاج لأنها تحن لفقد أولادها.
(٤) مريم: ٢٥.


الصفحة التالية
Icon