وقيل: إن «من» ليس في موضع مفعول «يدعو» «١»، لأنه مكرر من الأول معاد للتوكيد، واكتفى من مفعوله بمفعول الأول، وكرر تفظيعاً للأمر في عبادة الأصنام، وقوله «لمن ضره» على هذا مبتدأ، وخبره «لبئس المولى».
ووجه ثالث: وهو أن يكون «يدعو» بمعنى «يقول» كقول القائل:
ما يدعى فلان فيكم؟ أي: ما يقال له؟ وكذلك: يدعون عنته «٢»، أي: يقولون:
يا عنته، أي: يقولون الذي ضره أقرب من نفعه هو إلهنا، ويكون الخبر محذوفاً لدلالة الكلام عليه.
ووجه رابع: وهو أن يكون «يدعو» من تمام الضلال البعيد، أي:
يدعوه، و «يدعوه» في موضع الحال للمبتدأ، والتقدير: ذلك هو الضلال البعيد داعياً، أي: في حال دعايته إياه. و «لمن ضره» ابتداء، وخبره «لبئس المولى».
ولا يكون «لبئس المولى» خبراً في قول من يقول: إن «يدعو» بمعنى يقول، لأن المنافق لا يقول: إن الصنم والله لبئس المولى.
وإن قلت: إنه لا يقول أيضاً: ضره أقرب من نفعه، وإنما يقول غير ذلك، فإن ذلك على اعتقادنا ما فيه من كونه ضاراً، على تقدير أن المنافق يقول: الصنم إله، ثم يأخذ في ذمه.
ومن ذلك قراءة من قرأ: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) «٣» بالفتح، لأن التقدير: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، أي: فاتقون هذا.

(١) يريد: مفعول الفعل «يدعو» الأول في قوله تعالى: (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ). (الآية:
١٢).
(٢) العنتة: المبالغ في الأمر إذا أخذ فيه.
(٣) الأنبياء: ٩٢.


الصفحة التالية
Icon