وعندنا المراد بالآية: الجماع، مجازاً، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) «١»، ولأنا أجمعنا أن الجماع مراد، فإن الشافعي أباح التيمم للجنب، وذكر أنه في كتاب الله تعالى إلا هاهنا، فبطل أن تكون الحقيقة، إلا أنه يقول: أبحت التيمم للجنب، لأن الله تعالى جعله بدلاً عن الوضوء والاغتسال جملة.
وعن ابن عمر وابن مسعود أنهما كانا يحملان الآية على المس باليد، وكانوا لا يبيحون التيمم للجنب، فدل أن تأويل الآية بالإجماع ليس على التقديم والتأخير، ولا يصار إلى التقديم والتأخير إلا بدليل قاطع يمنع من حمله على الظاهر، على ما ذكرناه قبل في هذه الآي.
وكذلك قوله تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ) «٢»، أي: بل فاعبد الله، فقدم المفعول.
وأما قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) «٣» فهو في نية التقديم والتأخير، والتقدير: نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلو الشياطين، ف «اتبعوا» معطوف على (نَبَذَ) «٤»، وقوله (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) «٥» في موضع الحال، أي: نبذوه مشابهين الجهال.
وقوله: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «٦»، في «ما» قولان:
أحدهما: أنه بمعنى: الذي، فيكون نصباً عطفاً على السحر «٧» على «ما تتلو»، أو جرّا بالعطف على (مُلْكِ سُلَيْمانَ) «٨».

(١) البقرة: ٢٣٧.
(٢) الزمر: ٦٦.
(٨- ٧- ٦- ٤- ٣) البقرة: ١٠٢.
(٥) البقرة: ١٠١.


الصفحة التالية
Icon