ومن ذلك قراءة العامة، نحو: منه، وعنه، بغير إشباع، غير ابن كثير، فإنه أشبع.
وقد قال سيبويه «١» : فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل، نحو: «منه فاعلم» «٢» وقد يحذف بعض العرب الحرف الذي بعد الهاء، إذا كان ما قبل الهاء ساكنا، لأنهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفي، نحو الألف، وكما كرهوا التقاء الساكنين في «أين» ونحوها، كرهوا ألا يكون بينهما حرف قوي، وذلك قول بعضهم: «منه يا فتى»، و «أصابته جائحة».
قال: والإتمام أجود، لأن هذا الساكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرك.
فتراه رجح قراءة «ابن كثير» على قراءة العامة، ألا ترى أن العامة يقرءون: (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) «٣» بلا إشباع، و «ابن كثير» يقرأ «فإن أصابته» بالإشباع، وهو اختيار «سيبويه»، والعامة تنكبوا ما اختاره لثقل الواو وآخر الكلمة.
ومن ذلك ما رواه العامة في اختلاف الهمزتين عن أبي عمرو، نحو:
(يا زَكَرِيَّا إِنَّا) «٤» و (السُّفَهاءُ أَلا) «٥» فإنهم لينوا الثانية وخففوا الأولى، وسيبويه روى عنه عكس ذلك. وقد تقدم في هذه الأجزاء هذا الفصل.
ومن ذلك قول سيبويه: إن أبا الخطاب زعم أن مثله «٦» قولك: للرجل:
سلاما، وأنت تريد: تسلما منك، كما قلت: براءةً منك، [تريد] «٧» :
لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلانا فقل سلاما، فزعم أنه سأله ففسر له معنى: براءة منك، وزعم أن هذه الآية (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) «٨» بمنزلة ذلك. لأن الآية فيما زعم مكيّة

(١) الكتاب (٢: ٢٩١).
(٢) هذه العبارة «نحو: منه فاعلم» لم ترد في «الكتاب».
(٣) الحج: ١١.
(٤) مريم: ٦.
(٥) البقرة: ١٣.
(٦) يشير إلى قول سيبويه قبل، «وأما ترك التنوين في سبحان، فإنّما ترك صرفه لأنه صار عندهم معرفة، أو انتصابه كنصب الحمد لله» (الكتاب ١: ١٦٣).
(٧) التكملة من الكتاب.
(٨) الفرقان: ٦٣.


الصفحة التالية
Icon