(أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ) «١» حيث أجمعوا على جزم «نمنعكم» بعد قوله «ألم نستحوذ»، فلعلك تشك أن النصب والجزم هنا متعارضان، وتحتج في كل واحد منهما بآية، فلا بد وأن أبين لك ذا وأقول: إن الجزم أحسن من النصب على ما جاء في «ونمنعكم»، وإنما نصب «نمنعكم» ابن أبي عبلة، وهو شاذ.
فأما قوله تعالى: (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «٢»، فإنه مجزوم ليس بمنصوب، ولكنه فتح لالتقاء الساكنين تبعا للام، فهذه فتحة بمنزلة الكسرة.
فأما قوله تعالى: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) «٣»، فإنه جاء مرفوعاً مقطوعا عن الأول، إلا ما روى عن ابن ميسرة حيث نصب «ويعلم ما في السماوات»، حمله إما على الصرف أو على التبعية.
قال سيبويه «٤» : في قوله «أنت فانظر لأي أمر تصير» وجوها، منها:
إن التقدير: أنت الهالك، فحذف الخبر. وقال: ولا يكون على أن تضمر «هذا» لأنك تشير للمخاطب إلى نفسه، ولا يحتاج إلى ذلك، وإنما تشير له إلى غيره، ألا ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت:
هذا أنت، لم يستقم.
وقال في حد الإضمار فصلا طويلا: «حدثنا يونس تصديقا لقول أبي الخطاب، أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا، ولم ترد بقولك:
هذا أنت، أن تعرفه نفسك، كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره، هذا محال، ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، والحاضر القائل كذا وكذا أنت». وإن شئت لم تعدها فى هذا الباب.
(٢) آل عمران: ١٤٢.
(٣) آل عمران: ٢٩.
(٤) الكتاب (١: ٣٧٩).