وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ [طه: ٨٢] والمتشابهات نحو إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:
٥٣] يرجع فيه إلى قوله وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ [طه: ٨٢] وإلى قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: ٤٨] فأما ترك صرف «أخر» فلأنها معدولة عن الألف واللام. وقد ذكرناه «١». فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ «الذين» في موضع رفع بالابتداء والخبر فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ويقال زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد، ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ مفعول من أجله أي ابتغاء الاختبار الذي فيه غلوّ وإفساد ذات البين ومنه فلان مفتون بفلانة أي قد غلا في حبّها. وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ عطف على الله جلّ وعزّ. هذا أحسن ما قيل فيه لأن الله جلّ وعزّ مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم جهّال. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أكثر من هذا الاحتجاج فأما القراءة المرويّة عن ابن عباس وما يعلم تأويله إلّا الله ويقول الراسخون في العلم «٢» فمخالفة لمصحفنا وإن صحّت فليس فيها حجة لمن قال الراسخون في العلم ويقول الراسخون في العلم آمنا بالله فأظهر ضمير الراسخين ليبيّن المعنى كما أنشد سيبويه: [الخفيف] ٧٠-
لا أرى الموت يسبق الموت شيء... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا «٣»
فإن قال قائل: قد أشكل على الراسخين في العلم بعض تفسيره حتى قال ابن عباس: لا أدري ما الأواه [التوبة: ١١٤] وما غِسْلِينٍ [الحاقة: ٣٦] فهذا لا يلزم لأن ابن عباس رحمه الله قد علم بعد ذلك وفسّر ما وقف عنه، وجواب أقطع من هذا إنما قال الله عزّ وجلّ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ولم يقل جلّ وعزّ: وكل راسخ فيجب هذا فإذا لم يعلمه أحدهم علمه الآخر. قال ابن كيسان:
ويقال: الراصخون بالصاد لغة لأنّ بعدها خاء. يَقُولُونَ في موضع نصب على الحال من الراسخين كما قال: [مجزوء الكامل] ٧١-
الرّيح تبكي شجوه... والبرق يلمع في الغمامه «٤»
ويجوز أن يكون الراسخون في العلم تمام الكلام ويكون يقولون مستأنفا.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ١٩١.
(٣) الشاهد لعدي بن زيد في ديوانه ٦٥، والأشباه والنظائر ٨/ ٣٠، وخزانة الأدب ١/ ٣٧٨، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٦، ١١٨، ولسوادة بن عدي في شرح أبيات سيبويه ١/ ١٢٥، وشرح شواهد المغني ٢/ ١٧٦، والكتاب ١/ ١٠٦، ولسوادة أو لعدي في لسان العرب (نغص)، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١/ ١٥٣، وخزانة الأدب ٦/ ٩٠ و ١١/ ٣٦٦، والخصائص ٣/ ٥٣، ومغني اللبيب ٢/ ٥٠٠.
(٤) الشاهد ليزيد بن مفرغ الحميري في ديوانه ص ٢٠٨.
«الريح تبكي شجوها... والبرق يضحك في الغمامه»
وفي لسان العرب (درك)، وفي تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ١٢٧، وغير منسوب في الأضداد لابن الأنباري ٤٢٤. [.....]