[سورة المائدة (٥) : آية ٤٦]
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦)وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً على الحال. فِيهِ هُدىً في موضع رفع بالابتداء. وَنُورٌ عطف عليه. وَمُصَدِّقاً فيه وجهان يجوز أن يكون لعيسى صلّى الله عليه وسلّم ونعطفه على مصدّق الأول، ويجوز أن يكون للإنجيل ويكون التقدير: وآتيناه الإنجيل مستقرّا فيه هدّى ونور ومصدّقا. وَهُدىً وَمَوْعِظَةً عطف على مصدّق.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٧]
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧)
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ أمر ويجوز كسر اللام والجزم لأن أصل اللام الكسر، وفي الكلام حذف، والمعنى: وأمرنا أهله أن يحكموا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ فحذف هذا، وقرأ الأعمش وحمزة وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ «١» على أنها لام كي، والأمر أشبه وسياق الكلام يدلّ عليه. قال أبو جعفر: والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأنّ الله تعالى لم ينزل كتابا إلّا ليعمل فيما فيه وأمر بالعمل بما فيه فصحّتا جميعا. وإذا كانت لام كي ففي الكلام حذف أي وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه أنزلناه عليهم.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٨]
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً حال. وَمُهَيْمِناً عطف عليه. لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً روي عن ابن عباس أنه قال: الشرعة والمنهاج الإسلام والسنّة، وقيل:
الشرعة ابتداء الشيء وهو قول لا إله إلّا الله، والمنهاج جملة الفرائض، وقيل: هما واحد ومن أحسن ما قيل فيه أن الشريعة والشرعة واحد وهو ما ظهر من الدين مما يؤخذ بالسمع نحو الصلاة والزكاة وما أشبههما، ومنه أشرعت بابا إلى الطريق، ومنه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، ومنه إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [الأعراف: ١٦٣] ومنه طريق شارع، ومنه الشّراع، والمنهاج الطريق الواضح البيّن المستقيم فجعل شريعة وطريقا بيّنا أي برهانا واضحا. ودلّ بهذا على أن شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم مخالفة لشريعة موسى صلّى الله عليه وسلّم. لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً أي لجعل شريعتكم واحدة.
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣١٢ وقرأ أبي (وأن ليحكم) بزيادة أن قبل لام كي، انظر البحر المحيط ٣/ ٥١١.