بِأَفْواهِهِمْ جمع فوه على الأصل لأن الأصل في فم فوه مثل حوض وأحواض، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ يقال: كيف دخلت إلّا وليس في الكلام حرف نفي؟ ولا يجوز ضربت إلّا زيدا فزعم الفراء «١» أن «إلّا» إنما دخلت في الكلام طرفا من الجحد، قال أبو إسحاق: الجحد والتحقيق ليسا بذوي أطراف وأدوات الجحد «ما ولا ولم ولن وليس» وهذه لا أطراف لها ينطق بها، ولو كان الأمر كما أراد لجاز كرهت إلا زيدا ولكن الجواب أنّ العرب تحذف مع «أبى» والتقدير ويأبى الله كلّ شيء إلّا أن يتمّ نوره.
قال علي بن سليمان: إنما أجاز هذا في يأبى لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي. قال أبو جعفر: وهذا قول حسن كما قال: [الطويل] ١٨٤-

وهل لي أمّ غيرها إن تركتها أبى الله إلّا أن أكون لها ابنما «٢»
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٣]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
لِيُظْهِرَهُ لام كي أي ليظهره بالحجّة والبراهين وقد أظهره.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤)
إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ دخلت اللام على يفعل ولا تدخل على فعل بمضارعة يفعل الأسماء وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ رفع بالابتداء ويجوز أن يكون معطوفا على ما في يأكلون أي ويأكلها الذين يكنزون الذهب والفضة. وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولم يقل ينفقونهما ففيه أربعة أقوال يكون التقدير ولا ينفقون الكنوز، ويكون ولا ينفقون الأموال، ويكون ولا ينفقون الفضة وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه وأنشد سيبويه: [المنسرح] ١٨٥-
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرّأي مختلف «٣»
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٣٣.
(٢) الشاهد للمتلمس في ديوانه ص ٣٠، والأصمعيات ص ٣٤٥، وخزانة الأدب ١٠/ ٥٨، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٦٨، والمقتضب ٢/ ٩٣، وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ١٨٢، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١١٥، وشرح الأشموني ٣/ ٨١٦، وشرح المفصّل ٩/ ١٣٣، والمنصف ١/ ٥٨.
(٣) الشاهد لقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ٢٣٩، والكتاب ١/ ١٢٣، وتخليص الشواهد ص ٢٠٥، والدرر ٥/ ٣١٤، والمقاصد النحوية ١/ ٥٥٧، ولعمرو بن امرئ القيس الخزرجي في الدرر ١/ ١٤٧، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٧٩، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٤٥٣، والصاحبي في فقه اللغة ٢١٨، ومغني اللبيب ٢/ ٦٢٢، وهمع الهوامع ٢/ ١٠٩.


الصفحة التالية
Icon