أبو إسحاق: التقدير في أن يجاهدوا، وقال غيره: هذا غلط وإنما المعنى ضدّ هذا ولكن التقدير إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ في التّخلّف لئلّا يجاهدوا، وحقيقته في العربية كراهة أن لا يجاهدوا كما قال جلّ وعزّ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: ٧٦].
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)
وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ لأنهم قالوا إن يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرّضنا على المسلمين ويدلّ على هذا أن بعده لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، فَثَبَّطَهُمْ الله جلّ وعزّ. وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ يكون التقدير قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ويكون هذا هو الإذن الذي تقدّم ذكره وقيل: المعنى وقال لهم أصحابهم هذا.
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ مفعول ثان، والمعنى: يطلبون لكم الفتنة أي الإفساد والتحريض، ويقال: بغيته كذا أي أعنته على طلبه وبغيته كذا طلبته له.
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أي لقد طلبوا الإفساد من قبل أن يظهر أمرهم وينزل الوحي بما أسرّوه وبما سيفعلونه لأنه قال جلّ وعزّ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ [براءة: ٩٥] أخبر بعيبهم وقلّبوا لك الأمور أي دبّروا واحتالوا في التضريب والإفساد.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي من أذن يأذن فإذا أمرت زدت همزة مكسورة وقبلها همزة هي فاء الفعل ولا يجتمع همزتان فأبدلت من الثانية ياء لكسرة ما قبلها فقلت:
ائذن لي، فإذا وصلت زالت العلّة في الجمع بين همزتين فهمزت فقلت: ومنهم من يقول أذن لي «١» وروى ورش عن نافع ومنهم من يقول اذن لي خفّف «٢» الهمزة.
قال أبو جعفر: يقال: ائذن لفلان ثم ائذن لفلان وهجاء الأول والثاني واحد بألف وباء قبل الذال في الخطّ فإن قلت: ائذن لفلان وأذن لغيره كان الثاني بغير ياء، وكذلك الفاء

(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٥٢.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٥٢.


الصفحة التالية
Icon