أدخل في حروف الخفض من الكاف لأن الكاف تكون اسما. قال أبو جعفر: لا يصح إلا قول البصريين. وهذا القول يتناقض لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد، وأنشد: [الوافر] ٢٣٥-

أما والله أن لو كنت حرّا وما بالحرّ أنت ولا العتيق «١»
ومنع نصا النصب، ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز: ما فيك براغب زيد، وما إليك بقاصد عمرو ثم يحذفون الباء ويرفعون، وحكى البصريون والكوفيون: ما زيد منطلق بالرفع، وحكى البصريون أنها لغة بني تميم وأنشدوا: [الوافر] ٢٣٦-
أتيما تجعلون إليّ ندّا وما تيم لذي حسب نديد «٢»
وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد: وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين. قال أبو إسحاق: هذا غلط كتاب الله جلّ وعزّ، ولغة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أقوى وأولى. إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ لفضل الملائكة على البشر.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٣]
قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣)
قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ابتداء وخبر، والتقدير نزول السجن أحبّ إليّ أي أسهل عليّ، وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ السجن «٣» بفتح السين، وحكى أن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج ويعقوب وهو مصدر سجنه سجنا وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ شرط ومجازاة أي إن لم تلطف لي في اجتناب المعصية وقعت فيها.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٤]
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ أي فلطف له في ذلك. فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ قيل: لأنهنّ جمع قد راودنه عن نفسه، وقيل: يعني كيد النساء.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٥]
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ فيه ثلاثة أقوال: فمذهب سيبويه «٤» أن
(١) الشاهد بلا نسبة في الإنصاف ١/ ١٢١، وخزانة الأدب ٤/ ١٤١، والجنى الداني ٢٢٢، وجواهر الأدب ١٩٧، والدرر ٤/ ٩٦، ورصف المباني ١١٦، وشرح التصريح ٢/ ٢٣٣، وشرح شواهد المغني ١/ ١١١، ومغني اللبيب ١/ ٣٣، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٠٩، والمقرب ١/ ٢٠٥، وهمع الهوامع ٢/ ١٨.
(٢) الشاهد لجرير في ديوانه ص ١٦٤، والخزانة ١/ ٤٤٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٤، والبحر المحيط ٥/ ٣٠٦.
(٤) انظر الكتاب ٤/ ١٢٥.


الصفحة التالية
Icon