قولان: أحدهما بما تقدّم إليكم به وقدّركم عليه، والآخر أوفوا بما حلفتم عليه، وهذا أولى وأشبه بالمعنى لأن بعده وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها قال الكسائي: وناس كثير من العرب يقولون: تأكيد وقد أكّدت. قال أبو إسحاق: الأصل الواو والهمزة بدل منها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا قولهم الله كفيل على هذا وشاهد، ويكون مجازا فيكون حلفهم كقولهم هذا.
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٢]
وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢)
وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها أي فتنقضوا ما قد وكّدتموه وقويتموه. مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ والعرب تسمي الفتلة الوثيقة قوة. قال أبو إسحاق أَنْكاثاً يعني المصدر لأن معنى نقض ونكث واحد. قال ودَخَلًا منصوب لأنه مفعول له وأَنْ في موضع نصب والمعنى بأن تكون أمة هي أكثر من أمة. من ربا الشيء يربو إذا كثر، وقال الكسائي: المعنى لأن تكون لغة. قال الكسائي والفراء «١» : أَرْبى في موضع نصب، والمعنى مثل تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً [المزمّل: ٢٠] يجعلان «هو» عمادا. قال أبو جعفر: وهذا خطأ عند الخليل وسيبويه «٢» رحمهما الله، ولا يجوز، ولا يشبه تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً لأن الهاء في «تجدوه» معرفة وأمة نكرة، ولا يجوز عندهما: ما كان أحد هو جالس، وقال الخليل: لا تكون هو زائدة إلا مع المعرفة، وعنده أنّ كونها مع المعرفة زائدة عجب فكيف تزاد مع النكرة؟ فالقول إن «أربى» في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ والجملة خبر تكون.
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٤]
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤)
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ جواب النهي، والمعنى: فتستحقّ العقوبة بعد أن كانت تستحقّ الثواب.
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٦]
ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦)
ما عِنْدَكُمْ في موضع رفع بالابتداء. يَنْفَدُ في موضع الخبر. وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ ابتداء وخبر. وقد ذكرنا مثل باق.
(٢) انظر الكتاب ٢/ ٤١٢.