«يلقّون» كانت في العربية بالباء. وهذا من الغلط أشدّ مما مرّ في السورة لأنه يزعم أنها لو كانت يلقّون كانت في العربية بتحية وسلام. وقال كما يقال: فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير. فمن عجيب ما في هذا أنّه قال: يتلقّى، والآية يلقّون، والفرق بينهما بيّن لأنه يقال: فلان يتلقّى بالجنّة، ولا يجوز حذف الياء، فكيف يشبه هذا ذاك وأعجب من هذا أنّ في القرآن وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [الإنسان: ١١] لا يجوز أن يقرأ بغيره وهذا يبيّن أن الأولى خلاف ما قال.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٧٦]
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦)
خالِدِينَ فِيها على الحال.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٧٧]
قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً وعن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قرأ: فقد كذّب الكافرون فسوف يكون لزاما «١» وكذا روى شعبة عن إبراهيم التيمي عن أبي الزبير قال شعبة: وكذا في قراءة عبد الله بن مسعود. وهذه القراءة مخالفة للمصحف وينبغي أن تحمل على التفسير لأن معنى فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أنّه يخاطب به الكفار، وهذه القراءة مع موافقتها للسواد أولى بسياق الكلام لأن الله جلّ وعزّ قال: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فهذه مخاطبة، وكذا فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً فهذا أولى من فقد كذّب الكافرون فسوف يكون لزاما وقد تكلم النحويون فيه، فمن حسن ما قيل فيه أنّ التقدير فسوف يكون التكذيب لأن كذبتم يدلّ على التكذيب، وحقيقته في العربية فسوف يكون جزاء التكذيب عذابا لزاما أي ذا لزام. ولزام وملازمة واحد. وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال: سمعت قعنبا أبا السّمال ليقرأ: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً «٢» بفتح اللام. قال أبو جعفر: يكون مصدر لزم، والكسر أولى مثل قتال ومقاتلة كما أجمعوا على الكسر في قوله جلّ وعزّ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه: ١٢٩] وللفراء قول آخر «٣» في اسم يكون قال: يكون فيها مجهول. وهذا غلط لأن المجهول لا يكون خبره إلا جملة، كما قال جلّ وعزّ: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ [يوسف: ٩٠] وكما حكى النحويون: كان زيد منطلق. يكون في كان مجهول، ويكون المبتدأ وخبر مخبر المجهول، والتقدير كان الحديث. فأما أن يقال: كان منطلقا ويكون في كان مجهول فلا يجوز عند أحد علمناه.

(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٧٥، ومختصر ابن خالويه ١٠٥.
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٧٥.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٧٥.


الصفحة التالية
Icon