وعكرمة وعاصم الجحدري وطلحة وأبو زرعة: أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ «١» قال عكرمة: أي تسمهم. وفي معنى «تكلمهم» قولان: فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال: هي والله تكلّمهم وتكلمهم. تكلّم المؤمن، وتكلم الكافر أو الفاجر تجرحه. وقال أبو حاتم: تكلّمهم كما تقول: تجرّحهم يذهب إلى أنّه تكثير من تكلمهم. وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق أَنَّ النَّاسَ «٢» بفتح الهمزة، وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة إن الناس بكسر الهمزة. قال أبو جعفر: في المفتوحة قولان وكذا المكسورة، قال الأخفش: المعنى بأنّ الناس، وقال أبو عبيد:
موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس. وقال الكسائي: والفراء «٣» :
إن الناس بالكسر على الاستئناف، وقال الأخفش: هو بمعنى تقول إنّ النّاس.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨٧]
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ بمعنى واذكر، ومذهب الفراء «٤» أنّ المعنى وذلك يوم ينفخ في الصور، وأجاز فيه الحذف وجعله مثل وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ [سبأ: ٥١].
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ فهذا ماض «وينفخ» مستقبل، ويقال: كيف عطف ماض على مستقبل؟ وزعم الفراء أنه محمول على المعنى، لأن المعنى إذا نفخ في الصور ففزع. إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ في موضع نصب على الاستثناء. قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي وكلّ آتوه داخرين «٥» جعلوه فعلا مستقبلا، وقرأ الأعمش وحمزة وَكُلٌّ أَتَوْهُ جعلاه فعلا ماضيا. قال أبو جعفر: وفي كتابي عن أبي إسحاق في القرآن من قرأ وَكُلٌّ أَتَوْهُ وحده على لفظ كلّ ومن قرأ آتَوْهُ جمع على معناها.
وهذا القول غلط قبيح لأنه إذا قال: وكلّ أتوه فلم يوحد وإنما جمع فلو وحّد لقال:
أتاه، ولكن من قال: أتوه جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنّه ردّه على «ففزع» ومن قرأ وكلّ آتوه حمله على المعنى، وقال: آتوه لأنها جملة منقطعة من الأول.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨٨]
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨)
وَتَرَى الْجِبالَ من رؤية العين، ولو كان من رؤية القلب لتعدّت إلى مفعولين، والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الرّاء فتحرّكت الراء وحذفت الهمزة فهذه سبيل

(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠١.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١١٠.
(٣) انظر تيسير الداني ١٣٧.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠١.
(٥) انظر البحر المحيط ٧/ ٩٤، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٧، وتيسير الداني ١٣٧.


الصفحة التالية
Icon