والاستثناء لا يكون في الدعاء، لا تقول: اللهمّ اغفر لي إن شئت. وأعجب الأشياء أن الفراء روى أن ابن عباس قال هذا ثم حكى عنه قوله.
[سورة القصص (٢٨) : آية ١٨]
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ منصوب على خبر أصبح، وإن شئت على الحال ويكون الظرف في موضع الخبر، قال الضحاك: خاف أن يراه أحد أو يظهر عليه قال:
ويَتَرَقَّبُ يتلفّت. فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ «الذي» في موضع رفع بالابتداء يَسْتَصْرِخُهُ في موضع الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال «وأمس» إذا دخلت عليه الألف واللام تمكّن وأعرب عند أكثر النحويين، ومنهم من يبنيه وفيه الألف واللام، وإذا أضيف أو نكر تمكّن أيضا. والعلّة في بنائه عند محمد بن يزيد أنّ تعريفه ليس كتعريف المتمكّنات فوجب أن يبنى ولا يعرب فكسر آخره لالتقاء الساكنين، ومذهب الخليل رحمه الله أن الياء محذوفة منه. وللكوفيين فيه قولان: أحدهما أنه منقول من قولهم: أمس بخير. والآخر أن خلقة السين الكسر، هذا قول الفراء، وحكى سيبويه «١» وغيره أنّ من العرب من يجري أمس مجرى ما لا ينصرف في موضع الرفع خاصة، وربّما اضطرّ الشاعر ففعل هذا في الخفض والنصب كما قال: [الرجز] ٣٢٦-
لقد رأيت عجبا مذ أمسا «٢»
فخفض بمذ فيما مضى واللغة الجيّدة الرفع وأجرى «أمس» في الخفض مجراه في الرفع على اللغة الثانية. قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ والغويّ الخائب أي لأنك تشار من لا تطيقه.
[سورة القصص (٢٨) : آية ١٩]
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩)
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ «أن» زائدة للتوكيد. وقرأ يزيد بن القعقاع أَنْ يَبْطِشَ «٣» وهي لغة إلّا
(٢) الشاهد بلا نسبة في الكتاب ٣/ ٣١٥، وأسرار العربية ٣٢، وأوضح المسالك ٤/ ١٣٢، وخزانة الأدب ٧/ ١٦٧، والدرر ٣/ ١٠٨، وشرح الأشموني ٢/ ٥٣٧، وشرح التصريح ٢/ ٢٢٦، وشرح قطر الندى ص ١٦، وشرح المفصّل ٤/ ١٠٦، ولسان العرب (أمس)، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٩٥، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٥٧، ونوادر أبي زيد ٥٧، وهمع الهوامع ١/ ٢٠٩، وجمهرة اللغة ٨٤١. وبعده:
«عجائزا مثل السعالى خمسا»
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ١٠٦، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر.