والمعنى: ألفتكم وجماعتكم مودّة بينكم، والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون «مودّة» رفعا بالابتداء وفِي الْحَياةِ الدُّنْيا خبره، فأما إضافة مودّة إلى بينكم فإنه جعل بينكم اسما غير ظرف، والنحويون يقولون: جعله مفعولا على السعة، وحكى سيبويه: [الرجز] يا سارق الليلة أهل الدار «١» ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف لعلّة ليس هذا موضع ذكرها. والقراءة الثانية على أنه جعل بينكم ظرفا فنصبه. والقراءة الثالثة على أنه نصب مودّة لأنه جعلها مفعولا من أجلها، كما تقول: جئتك ابتغاء العلم وقصدت فلانا مودّة له.
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٢٧]
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)
وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا مفعولان قال أبو جعفر: قد ذكرناه وبيّنا معناه وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ليس «في الآخرة» داخلا في الضلة وإنما هو تبيين وقد ذكرناه في غير هذا الموضع بأكثر من هذا.
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٢٨]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨)
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ قال الكسائي: المعنى: وأنجينا لوطا أو أرسلنا لوطا.
قال: وهذا الوجه أحبّ إليّ.
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٢٩]
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)
قراءة الكوفيين أَإِنَّكُمْ «٢» في الأولى والثانية على الاستفهام، وكذا قراءة أبي عمرو إلّا أنه يخفّف، وقرأ نافع إنّكم «٣» بغير استفهام في الأولى واستفهم في الثانية. وهذه القراءة على اتّباع السواد، وهي على الإلزام لا على الاستفهام. وكذا قال محمد بن يزيد في قول الشاعر: [الخفيف] :
٣٣٠-
ثمّ قالوا: تحبّها قلت: بهرا «٤»
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٩٩، والبحر المحيط ٧/ ١٤٥.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٩٩، والبحر المحيط ٧/ ١٤٥.
(٤) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ٤٣١، والأغاني ١/ ٨٧، والدرر ٣/ ٦٣، وجمهرة اللغة ٣٣١، والخصائص ٢/ ٢٨١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٦٧، وشرح شواهد المغني ص ٣٩، وشرح المفصل ١/ ١٢١، ولسان العرب (بهر)، وبلا نسبة في الكتاب ١/ ٣٧٢، وأمالي المرتضى ١/ ٣٤٥، وكتاب اللامات ١٢٤، وهمع الهوامع ١/ ١٨٨.