أنّ منهم من كان إذا تلي القرآن وهو حاضر سدّ أذنيه لئلّا يسمع فلمّا بيّن جلّ وعزّ الدلالة عليه قال: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ أي الذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يبعثكم، وأجمع القراء على فتح التاء هاهنا في «تخرجون» واختلفوا في التي في «الأعراف» فقرأ أهل المدينة وَمِنْها تُخْرَجُونَ [الأعراف: ٢٥]، وقرأ أهل العراق بالفتح، وإليه يميل أبو عبيد والمعنيان متقاربان إلّا أن أهل المدينة فرقوا بينهما لنسق الكلام، فنسق الكلام في التي في «الأعراف» بالضم أشبه إذ كان الموت ليس من فعلهم، فكذا الإخراج والفتح في سورة الروم أشبه بنسق الكلام أي إذا دعاكم خرجتم أي أطعتم فالفعل بهم أشبه.
[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٦]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦)
قال أبو الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ قنوت في القرآن فهو طاعة» «١» قال أبو جعفر: المعنى كلّ من في السّموات والأرض له مطيعون طاعة انقيادهم على ما شاء من صحّة وسقم وغنى وفقر، وليست هذه الطاعة التي يجازون عليها.
[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٧]
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وقد ذكرناه. وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي ما أراده جلّ وعزّ كان، وقال الخليل رحمه الله: المثل الصفة.
[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٨]
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)
شُرَكاءَ في موضع رفع ومِنْ زائدة للتوكيد. فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ مبتدأ وخبر وليست سواء هاهنا التي تكون ظرفا. تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ نصب بالفعل والكاف والميم في موضع خفض، وهي أيضا في موضع رفع في التأويل كما تقول: عجبت من ضربكم عمرا. ويجوز من ضربكم عمرو لأن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول به، وتقول: عجبت من وقع أنيابه بعضها على بعض، وإن شئت رفعت لأن أنيابه في موضع رفع في التأويل إلّا أن الرفع في الظاهر قبيح عند الكوفيين، فإن قلت: عجبت من وقعها بعضها على بعض، حسن الرفع عند الجميع كَذلِكَ الكاف في موضع نصب، والتقدير: نفصّل الآيات تفصيلا كذلك.

(١) انظر تفسير القرطبي ١٤/ ٢٠، و ١٥/ ٢٣٩.


الصفحة التالية
Icon