الرحم فرضا من الله جلّ وعزّ حتى قال مجاهد: لا يقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة، وقيل: ذو القربى القربى بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وحقّه مبيّن في قوله جلّ وعزّ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [الأنفال: ٤١]، «وابن السبيل» الضيف فجعل الضيافة فرضا، فَأُولئِكَ مبتدأ وهُمُ مبتدأ ثان الْمُضْعِفُونَ خبر الثاني والجملة خبر الأول، وفي معنى المضعفين قولان: أحدهما تضاعف لهم الحسنات والآخر أنه قد أضعف لهم الخير والنعيم أي هم أصحاب أضعاف، كما يقال:
فلان مقو أي له أصحاب أقوياء، ويقال: فلان رديء مردئ أي هو رديء في نفسه وأصحابه أردياء.
[سورة الروم (٣٠) : آية ٤١]
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ في معناه قولان: أحدهما ظهر الجدب في البر أي في البوادي وقرأها: وفي البحر أي في مدن البحر مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] أي ظهر قلّة الغيث وغلاء السعر بما كسبت أيدي الناس من المعاصي لنذيقهم عقاب بعض الذي عملوا ثم حذف. والقول الآخر: أنّ معنى ظَهَرَ الْفَسادُ ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم فهذا هو الفساد على الحقيقة. والأول مجاز إلّا أنه على الجواب الثاني يكون في الكلام حذف واختصار دلّ عليه ما بعده.
ويكون المعنى ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عنهم الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض ما عملوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وروى داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس «لعلهم يرجعون» لعلهم يتوبون.
فأما قوله جلّ وعزّ: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ فقد ذكرنا قول العلماء فيه أنه أن يهدي الرجل إلى الرجل الهدية يريد عليها المكافأة ولا يريد الثواب فذلك مباح إلّا أنه لا يثاب عليه لأنه لم يقصد به ثواب الله جلّ وعزّ غير أنّ الضحاك قال: نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك خاصة بقوله جلّ وعزّ: لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر: ٦] وقد قيل: معنى وما آتيتم من ربا هو الربا الذي لا يحلّ، وقال قائل هذا القول: معنى فلا يربو عند الله فلا يحكم به لآخذه لأنه ليس له وإنما هو للمأخوذ منه. وتثنية الربا ربوان، كذا قول سيبويه «١»، ولا يجوز عند أصحابه غيره. وسمعت أبا إسحاق يقول: وذكر قول الكوفيين- لا يكفيهم في قولهم ربيان أن يخطئوا في الخطّ فيكتبوا الربا بالياء حتى يخطئوا في التثنية واستعظم هذا، وقد قال الله جلّ وعزّ: لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ، فهذا

(١) انظر الكتاب ٣/ ٤٢٨.


الصفحة التالية
Icon