المفدّى هو المبشّر به وقد بيّن أن الذي بشر به هو إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وأن كلّ موضع من القرآن ذكر بتبشيره إياه بولد فهو إسحاق نبيا أي بتبشيره إياه بقوله فبشرناه بغلام حليم إنما هو إسحاق، فأما اعتلال من اعتلّ بأن قرني الكبش كانا معلّقين في الكعبة فليس يمتنع أن يكون حمل من الشام إلى مكّة على أن جماعة من العلماء قد قالوا كان الأمر بالذبح. فأما قوله: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى فمن المشكل وقد تكلّم العلماء في معناه فقال بعضهم: كان إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم أمر إذا رأى رؤيا فيها كذا وكذا أن يذبح ابنه واستدلّ صاحب هذا القول بأنها في قراءة ابن مسعود إنّي أرى في المنام أفعل ما أمرت به فهذه قراءة على التفسير دالّة على أنه أمر بهذا قبل إذ كان مما لا يؤتى مثله برؤيا، وقال صاحب هذا القول: وقد ذبحه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم لأن معنى ذبحت الشيء قطعته، وليس هذا مما يجوز أن ينسخ بوجه. واستدلّ عليه بقول مجاهد: قال إسحاق لإبراهيم عليهما السلام: لا تنظر إلى وجهي وترحمني، ولكن اجعل وجهي إلى الأرض فأخذ إبراهيم السكين فأمرّها على خلفة فانقلبت فقال له: ما لك؟ فقال: انقلبت السكين، قال: اطعنّي بها طعنة ففعل، ثم فداه الله جلّ وعزّ. قال ابن عباس: فداه الله بكبش قد رعى في الجنّة أربعين سنة. وقال الحسن: ما فدى الله إسماعيل إلّا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير. قال أبو إسحاق: يقال إنه فدي بوعل، والوعل: التيس الجبليّ وأهل التفسير على أنه فدي بكبش. فَانْظُرْ ماذا تَرى أي ماذا تأتي به من رأيك. وقرأ أهل الكوفة إلّا عاصما فَانْظُرْ ماذا تَرى «١».
قال الفراء «٢» : المعنى: فانظر ماذا تري من صبرك أو جزعك، وأما غيره فقال: معناه ماذا تشير وأنكر أبو عبيد «تري»، وقال: إنما يكون هذا من رؤية العين خاصّة، وكذا قال أبو حاتم. قال أبو جعفر: وهذا غلط هذا يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور يقال: أريت فلانا الصواب، وأريته رشده، وهذا ليس من رؤية العين. قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ والقول الآخر في رؤيا إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم أنه لم يعزم على ذبحه من أجل الرّؤيا، وإنما أضجعه ينظر الأمر ألا ترى أنه قال: يا أبت افعل ما تؤمر أي إن أمرت بشيء فافعله.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٥]
فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)
فَلَمَّا أَسْلَما قال قتادة: أسلم أحدهما لله جلّ وعزّ نفسه وأسلم الآخر ابنه. وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ يقال: كبه وحوّل وجهه إلى القبلة، وجواب لمّا محذوف عند البصريين أي فلمّا أسلما سعدا وأجزل لهما الثواب. وقال الكوفيون: الجواب نادَيْناهُ والواو زائدة.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٩٠.