قال: نوره محمد صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو جعفر: لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم في تبيانه للناس بمنزلة النور الذي يضيء لهم. قال كعب: كَمِشْكاةٍ، ككوّة فيها مصباح قال: الْمِصْباحُ قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم فِي زُجاجَةٍ قال: الزُّجاجَةُ صدره كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ لصدره ثم رجع إلى المصباح الذي هو في القلب فقال: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ قال لم تصبها شمس المشرق ولا شمس المغرب. شَرْقِيَّةٍ نعت لزيتونة. وَلا ليست تحول بين النعت والمنعوت وَلا غَرْبِيَّةٍ عطف. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال كعب:
يكاد محمد صلّى الله عليه وسلّم يستبين لمن يراه أنّه نبيّ وإن لم ينطق لما جعل عليه صلّى الله عليه وسلّم من الدلائل، كما يكاد هذا الزيت يضيء ولو لم تمسّه نار. وقد قرئ دري «١» على أربعة أوجه:
قرأ الحسن وأهل الحرمين كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بضم الدال وتشديد الياء إلّا أن سعيد ابن المسيّب قرأ هو وأبو رجاء العطارديّ ونصر بن عاصم وقتادة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بفتح الدال وتشديد الياء وقرأ أبو عمرو والكسائي كأنّها كوكب درء بكسر الدال والهمز، وقرأ حمزة كأنّها كوكب درّيء بضم الدال والهمز. فهذه أربع قراءات، وحكى الفراء «٢» أنّه يقال: درّي بكسر الدال وتشديد الياء بغير همز. قال أبو جعفر:
القراءة الأولى بيّنة نسب الكوكب إلى الدّرّ. فإن قال قائل: فالكوكب نورا من الدّرّ قيل له: إنما المعنى أنّ هذا الكوكب فضله على الكواكب كفضل الدّرّ على سائر الحبّ.
والقراءة الثانية بهذا المعنى فأبدل من الضمّة فتحة لأن النسب باب تغيير. والقراءة الثالثة أبي عمرو والكسائي ضعّفها أبو عبيد تضعيفا شديدا لأنه تأولها من درأت أي دفعت أي كوكب يجري من الأفق إلى الأفق فإن كان التأويل على ما تأوّله لم يكن في الكلام فائدة ولا كان لهذا الكوكب مزيّة على أكثر الكواكب. ألا ترى أنّه لا يقال: جاءني إنسان من بني آدم، ولا ينبغي أن يتأوّل لمثل أبي عمرو والكسائي رحمهما الله مع محلّهما وجلالهما هذا التأويل البعيد، ولكن التأويل لهما على ما روي عن محمد بن يزيد أن معناهما في ذلك كوكب مندفع بالنور كما يقال: اندرأ الحريق، أي اندفع، وهذا تأويل صحيح لهذه القراءة. وحكى الأخفش سعيد بن مسعدة أنه يقال: درأ الكوكب بضوئه إذا امتدّ ضوءه وعلا. فأما قراءة حمزة فأهل اللغة جميعا إلا أقلّهم يقولون: هي لحن لا يجوز لأنه ليس في كلام العرب اسم على فعّيل، وقد اعترض أبو عبيد في هذا فاحتج لحمزة فقال: ليس هو فعّل إنما هو فعّول مثل سبّوح أبدل من الواو ياء كما قالوا: عتيّ. قال أبو جعفر وهذا الاعتراض والاحتجاج من أعظم الغلط وأشدّه
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥٢.