في بني سلمة، قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وللرجل منا اسمان وثلاثة فكان يدعى باسم منها فيقال: يا رسول الله إنه يغضب منه فنزلت وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ فأما حديث الضّحاك عن ابن عباس كان الرجل يقول للآخر: يا كافر يا فاسق، فنزلت: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ فإسناد الأول أصحّ منه، ولو صحّ هذا لم يكن ناقضا للأول، لأن المعنى في اللّقب على ما قال محمد بن يزيد وغيره: أنه كلّما كان ذائعا يغضب الإنسان منه ويكره قائله أن يلقى صاحبه به ويكرهه المقول له به فمحظور التنابز به. بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ رفع بالابتداء والتقدير الفسوق بعد أن امنتم بئس الاسم وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قال الضّحاك عن ابن عباس: من لم يتب من هذا القول.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فسّر ابن عباس الإثم فيم هو؟ قال: إن تقول بعد أن تظنّ، فإن أمسكت فلا إثم والبيّن في هذا أنّ الظنّ الذي هو إثم، وهو حرام على فاعله، أن يظنّ بالمسلم المستور شرا، وأما الظن المندوب إليه فأن تظنّ به خيرا وجميلا، كما قال جلّ وعزّ: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النور: ١٢] قال: وَلا تَجَسَّسُوا أي لا تبحث عن عيب أخيك بعد أن ستره الله جلّ وعزّ عنه: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بيّن الله جلّ وعزّ الغيبة على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، كما قرئ على أحمد بن شعيب عن علي بن حجر قال: حدّثنا إسماعيل قال: حدّثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله جلّ وعزّ ورسوله أعلم قال: أن تذكر أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان ذلك في أخي؟ قال: إن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه» «١» فهذا حديث لا مطعن في سنده ثم جرت العلماء عليه، فقال محمد بن سيرين: إن علمت أن أخاك يكره أن تقول ما أشدّ سواد شعره، ثم قلته من ورائه فقد اغتبته. فقالت عائشة رضي الله عنها: قلت بحضرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في امرأة ما أطول درعها فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد اغتبتها فاستحلّي منها» «٢». وقال أبو نضرة عن جابر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الغيبة أشدّ من الزنا، لأن الرجل يزني فيتوب فيتوب الله عليه والرجل يغتاب الرجل فيتوب فلا يتاب عليه حتّى يستحلّه» «٣». قال أبو جعفر: وفي الغيبة ما لا يقع فيه

(١) أخرجه مالك في الموطّأ باب ٤ الحديث رقم (١٠)، والترمذي في سننه- البر والصلة ٨/ ١٢٠، والدارمي في سننه ٢/ ٢٩٩، وأبو داود في سننه الحديث رقم (٤٨٧٤).
(٢) أخرجه أبو داود في سننه- الأدب- الحديث رقم (٤٨٧٥).
(٣) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٩١، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧/ ٥٣٣، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٤٨٧٤)، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ١/ ١٧٢، والمنذري في الترغيب والترهيب ٣/ ٥١١، وابن أبي حاتم الرازي في علل الحديث (٢٤٧٤).


الصفحة التالية
Icon