لِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ويدلّك على هذا حديث عمر مع صحّة إسناده واستقامة طريقته قرئ على أحمد بن شعيب عن عبيد الله بن سعيد ويحيى بن موسى وهارون بن عبد الله قالوا: حدّثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أويس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في السلاح والكراع عدّة في سبيل الله. فقد دلّ هذا على أن الآية الثانية حكمها خلاف حكم الأولى لأن الأولى تدلّ على هذا إن ذلك شيء للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والآية الثانية، على خلاف ذلك قال الله جلّ وعزّ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ قيل: هذا افتتاح كلام، وكلّ شيء لله: والتقدير فلسبل الله وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وهم بنو هاشم وبنو المطّلب وَالْيَتامى وهم الّذين لم يبلغوا الحلم وقد مات آباؤهم، وَالْمَساكِينِ وهم الذين قد لحقهم ذلّ المسكنة مع الفاقة، وَابْنِ السَّبِيلِ وهم المسافرون في غير معصية المحتاجون كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ الضمير الّذي في يكون يعود على ما أي لا يكون ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى دولة يتداوله الأغنياء فيعملون فيه ما يحبون، فقسمه الله جلّ وعزّ هذا القسم. وقرأ يزيد بن القعقاع كي لا تكون دولة «١» بالرفع وتأنيث «تكون» دولة اسم «تكون» «بين الأغنياء» الخبر، ويجوز أن يكون بمعنى يقع فلا يحتاج إلى خبر مثل إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً [البقرة:
٢٨٢، والنساء: ٢٩] «وأغنياء» جمع غنيّ، وهكذا جمع المعتل وإن كان سالما جمع على فعلاء وفعال نحو كريم وكرماء وكرام، وقد قالت العرب في السالم: نصيب وأنصباء شبه بالمعتل وشبهوا بعض المعتل أيضا بالسالم. حكى الفرّاء «٢» : نفي ونفواء بالفاء شبّه بالسالم وقلبت ياؤه واوا. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا حكى بعض أهل التفسير أنّ هذا في الغنائم واحتجّ بأن الحسن قال: وما أتاكم الرسول من الغنائم فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول قال أبو جعفر: فهذا ليس يدلّ على أن الآية فيه خاصة بل الآية عامة. وعلى هذا تأولها أصحاب رسول الله فقال عبد الله بن مسعود:
إن الله لعن الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمّصة، فقيل له: قد قرأنا القرآن فما رأينا فيه هذا فقال: قد لعنهنّ رسول الله وقال الله وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وعن ابن عباس نحو من هذا في النهي عن الانتباذ في النّقير والمزفّت. وَاتَّقُوا اللَّهَ أي احذروا عقابه في عصيانكم رسوله. إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي شديد عقابه لمن خالف رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
(٢) انظر المنقوص والممدود ١٤.