ليستعين به وأحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه، وكذا الزوجان كل واحد منهما محتاج إلى صاحبه فهذا معنى الاقتران وحاجة بعضهم إلى بعض. قيض الله جلّ وعزّ لهم ذلك ليتعاونوا على طاعته فزيّن بعضهم لبعض المعاصي قال جلّ وعزّ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ فيه أقوال: يروى عن ابن عباس ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ التكذيب بالآخرة والبعث والجنة والنار، وَما خَلْفَهُمْ الترغيب في الدنيا والتسويف بالمعاصي، وقيل فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أي ما تقدّمهم من المعاصي وَما خَلْفَهُمْ ما يعمل بعدهم أو بحضرتهم، وقيل: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما هم فيه وَما خَلْفَهُمْ ما عزموا أن يعملوه، وهذا من أبينها. وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ وهو أن الله جلّ وعزّ يعذّب من عمل مثل عملهم فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ أي هم داخلون في أمم قد حقّ عليهم هذا القول. فهذا قول بين، وقد قيل: «في» بمعنى مع كما قال: [الطويل] ٣٩٦-
وهل ينعمن من كان أخر عهده | ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال |
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧)
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ وهذا من لغي يلغى، وهي اللغة الفصيحة، ويقال: لغى يلغى لأن فيه حرفا من حروف الحلق، ولغا يلغو، وعلى هذه اللغة قرأ ابن أبي إسحاق وعيسى وَالْغَوْا فِيهِ بضم الغين. قال محمد بن يزيد: اللغو في كلام العرب ما كان على غير وجهه، ومنه وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص: ٥٥] إنما هو ما يصدّ عن الخير ويدعو إلى الشر أي هو مما ينبغي أن يطّرح، ولا يعرّج عليه كما أن اللغو في الكلام ما لا يفيد معنى. ويروى عن عبد الله بن عباس في معنى وَالْغَوْا فِيهِ أن أبا جهل هو الذي قال هذا، قال: فإذا رأيتم محمدا يصلّي فصيحوا في وجهه، وشدّوا أصواتكم بما لا يفهم حتّى لا يدري ما يقول، ويروى أنهم إنّما فعلوا هذا لما أعجزهم القرآن، ورأوا من تدبّره آمن به لإعجازه بفصاحته وكثرة معانيه وحسنه ونظمه ورصفه فقالوا: إذا سمعتموه يقرأ فخلّطوا عليه القراءة بالهزء وما لا يحصل، وذلك اللغو لعلكم تغلبونه.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)
ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ قال أبو إسحاق: النار بدل من جزاء قال: ويجوز أن يكون رفعها بإضمار مبتدأ أيضا تبيينا عن الجزاء.