[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٣]

ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ مبتدأ وخبره وقراءة الكوفيين يُبَشِّرُ «١» وقد ذكرنا نظيره «٢» غير أن أبا عمرو بن العلاء قرأ هذا وحده يُبَشِّرُ «٣» وقرأ غيره «يبشّر» «٤» وأنكر هذا عليه قوم، وقالوا: ليس بين هذا وبين غيره فرق، والحجّة له ذلك أنه لم يقرأ بشيء شاذ ولا بعيد في العربية ولكن لما كانتا لغتين فصيحتين لم يقتصر على أحدهما فيتوهم السامع أنه لا يجوز غيرها فجاء بهما جميعا، وهكذا يفعل الحذّاق. وفي القرآن نظيره مما قد اجتمع عليه، وهو قوله جلّ وعزّ: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة: ٢٨٢] من أملّ يمل وفي موضع أخر فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: ٥] من أملى يملي. قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. قال أبو جعفر: قد ذكرنا معناه مستقصى.
فأما الإعراب فهذا موضع ذكره «المودّة» في موضع نصب لأنه استثناء ليس من الأول، وسيبويه «٥» يمثله بمعنى «لكن»، وكذا قال أبو إسحاق، قال: «أجرا» تمام الكلام كما قال جلّ وعزّ: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان: ٥٧] ولو لم يكن استثناء ليس من الأول كانت المودة بدلا من أجر وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً شرط يقال: اقترف وقرف إذا كسب، وجواب الشرط. نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥)
اختلف العلماء في تفسير هذا فقال أبو إسحاق: معنى يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم. قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله لا يشبه ظاهر الآية.
وقال غيره: فإن يشأ الله يختم على قلبك لو اقترفت واختلفوا في معنى يَخْتِمْ فقال بعضهم: أي يمنعك من التمييز. وقال بعضهم: معنى: ختم الله على قلبه جعل عليه علامة من سواد أو غيره تعرف الملائكة بها أنه معاقب، كما قال جلّ وعزّ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ [المطففين: ١٤] قال أبو جعفر: وفي التفسير أنه إذا عمل العبد خطيئة رين على قلبه فغطي منه شيء فإن زاد زيد في الرّين حتّى يسود قلبه فلا ينتفع بموعظة. وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ منقطع من الأول في موضع رفع. ويجب أن يكتب بالواو
(١) انظر تيسير الداني ١٥٧، والبحر المحيط ٧/ ٤٩٣.
(٢) انظر الآية ٩- الإسراء والكهف ٢.
(٣) انظر تيسير الداني ١٥٧، والبحر المحيط ٧/ ٤٩٣.
(٤) انظر تيسير الداني ١٥٧، والبحر المحيط ٧/ ٤٩٣. [.....]
(٥) انظر الكتاب ٢/ ٣٤٦.


الصفحة التالية
Icon