إلّا أنه وقع في السواد بغير واو كتب على اللفظ في الإدراج وإنما حذفت الواو في الإدراج لسكونها وسكون اللام بعدها فإذا وقفت زالت العلّة في حذفها فعلى هذا لا ينبغي الوقوف عليه لأنه إن أثبت الواو خالف السواد وإن حذفها لحن ونظيره وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ [الإسراء: ١١]، وكذا سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: ١٨] فأما معنى و «يمح الله الباطل» ففيه احتجاج عليهم لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم لأن معناه أنّ الله جلّ وعزّ يزيل الباطل ولا يثبته، فلو كان ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم باطلا لمحاه الله جلّ وعزّ وأنزل كتابا على غيره، وهكذا جرت العادة في جميع المفترين أنّ الله سبحانه يمحو باطلهم بالحقّ والبراهين والحجج وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي يبيّن الحقّ.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٦]
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)
يجوز أن يكون الَّذِينَ في موضع رفع بفعلهم أي ويجيب الذين آمنوا ربّهم فيما دعاهم إليه. ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب أي ويستجيب الله الذين آمنوا، وحذف اللام من هذا جائز كثير، ومثله وَإِذا كالُوهُمْ [المطففين: ٣] أي كالوا لهم.
قال أبو جعفر: هذا أشبه بنسق الكلام لأن الفعل الذي قبله والذي بعده لله جلّ وعزّ، وثمّ حديث عن معاذ بن جبل يدل على هذا قال: إنكم تدعون لهؤلاء الصناع غفر الله لك رحمك وبارك عليك، والله جلّ وعزّ يقول: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. يكون على هذا «يزيدهم» على ما دعوا، وتمّ الكلام. وَالْكافِرُونَ مبتدأ والجملة خبره.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وأجاز الخليل رحمه الله في السين إذا كانت بعدها طاء أن تقلب صادا لقربها منها، وزعم الفراء «١» : أن قوله جلّ وعزّ: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ أنه أراد جلّ وعزّ وما بثّ في الأرض دون السماء وأنّ مثله يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح، وزعم أن هكذا جاء في التفسير. قال أبو جعفر: والذي قاله لا يعرف في تفسير ولا لغة ولا معقول أي يخبر عن اثنين بخبر واحد، وهذا بطلان البيان والتجاوز إلى ما يحظره الدّين. والعرب تقول: لكل ما تحرّك من شيء دبّ فهو دابّ ثم تدخل الهاء للمبالغة فتقول: دابّة. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: في دابّة لتأنيث الصيغة.

(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٤.


الصفحة التالية
Icon