أيضا بمعنى منّا منّه. ويروى عن مسلمة أنه قرأ جَمِيعاً مِنْهُ بالرفع على إضمار مبتدأ.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٤ الى ١٥]
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)
يَغْفِرُوا في موضع جزم. قال الفرّاء «١» : هذا مجزوم بالتشبيه بالجزم والشرط كأنه كقولك: قم تصب خيرا. وليس كذلك. قال أبو جعفر: يذهب إلى أنه لما وقع في جواب الأمر كان مجزوما وإن لم يكن جوابا. وهذا غير محصّل والأولى فيه ما سمعت عليّ بن سليمان يحكيه عن محمد بن يزيد عن أبي عثمان المازني قال: التقدير قل للّذين آمنوا اغفروا يغفروا. وهذا قول محصّل لا إشكال فيه، وهو جواب كما تقول:
أكرم زيدا يكرمك. وتقديره: إن تكرمه يكرمك. وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم لِيَجْزِيَ قَوْماً «٢» وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي لنجزي قوما بالنون.
وقرأ أبو جعفر القارئ لِيَجْزِيَ قَوْماً. قال أبو جعفر: القراءة الأولى والثانية حسنتان معناهما واحد، وإن كان أبو عبيد يختار الأولى ويحتجّ بأن قبله قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ فيختار «ليجزي قوما» ليعود الضمير على اسم الله جلّ وعزّ.
وهذا لا يوجب اختيارا لأنه كلام الله جلّ وعزّ ووحيه فقوله جلّ ثناؤه لنجزي إخبارا عنه جلّ وعزّ فأما لِيَجْزِيَ قَوْماً فقال أبو إسحاق: هو لحن عند الخليل وسيبويه وجميع البصريين وقال الفرّاء «٣» : هو لحن في الظاهر، وهو عند البصريين لحن في الظاهر والباطن، وإنما أجازه الكسائي على شذوذ بمعنى: ليجزي الجزاء قوما فأضمر الجزاء ولو أظهره ما جاز فكيف وقد أضمره؟ وقد أجمع النحويون على أنه لا يجوز.
ضرب الضرب زيدا، حتّى أنه قال بعضهم: لا يجوز: ضرب زيدا سوطا لأن سوطا مصدر، وإنما يقام المصدر مقام الفاعل مع حروف الخفض «٤» «٥» إذا نعت فإذا لم يكن منعوتا لم يجز. وهذا أعجب أن يقام المصدر مقام الفاعل غير منعوت مع اسم غير مصدر، وفيه أيضا علة أخرى أنه أضمر الجزاء ولم يتقدم له ذكر على أن «يجزي» يدلّ عليه. وهذا، وإن كان يجوز فإنه مجاز فأما إنشادهم: [الوافر] ٤١٨-
ولو ولدت قفيرة جرو كلب | لسبّ بذلك الجرو الكلابا |
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٦ الى ١٨]
وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨)
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٥.
(٤) انظر تيسير الداني ١٦٠، قال: (حمزة وحفص والكسائي بالنصب والباقون بالرفع).
(٥) انظر معاني الفراء ٣/ ٤٧.