للكفار. وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ فيه ثلاثة أقوال: منها أن المعنى أضلّه عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه، والقول الثاني أن المعنى على علم منه بأنّ عبادته لا تنفعه. وهذان القولان لم يقلهما متقدّم وأولى ما قيل في الآية ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ قال: في سابق علمه. قال سعيد بن جبير: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ أي على علم قد علمه منه وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ قال أبو جعفر: قد ذكرناه «١» في سورة «البقرة». وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً «٢» وفي قراءة عبد الله وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً مروية بفتح الغين، وهي لغة ربيعة فيما يظنّ الفرّاء. وقراءة عكرمة: غشاوة بضم الغين، وهي لغة عكل. قال أبو الحسن بن كيسان: ويحذف الألف منها فيكون فيها إذا حذفت الألف ثلاث لغات: غشوة وغشوة وغشوة. وأما المعنى فمتقارب، إنما هو تمثيل أي لا يبصر الحقّ فهو بمنزلة من على بصره غشاوة إلّا أن الأكثر في كلام العرب في مثل هذا أن يكون على فعالة وذلك في كل ما كان مشتملا على الشيء نحو عمامة وكذا ولاية.
[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٤]
وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤)
وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا قد ذكرناه إلّا أن علي بن سليمان قال: المعنى ما هي إلّا حياتنا الدنيا نموت ونحيا على قولكم، واستبعد أن يكون المعنى نحيا ونموت على التقديم والتأخير، وقال: إنما يجوز هذا فيما يعرف معناه نحو وَاسْجُدِي وَارْكَعِي [ال عمران: ٤٣]. قال أبو جعفر: وأهل العربية يخالفونه في هذا، ويجيزون في الواو التقديم والتأخير في كل موضع. قال الفرّاء «٣» : معنى وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي طول الدهر ومرّ الأيام والليالي والشهور والسنين وتكلّم جماعة في معنى الآية فقال بعضهم: هؤلاء قوم لم يكونوا يعرفون الله جلّ وعزّ ولو عرفوه لعلموا أنه يهلكهم ويميتهم. وقال قوم: يجوز أن يكونوا يعرفون الله جلّ وعزّ وعندهم أنّ هذه الآفات التي تلحقهم إنّما هي بعلل ودوران فلك، يقولون هذا بغير حجّة ولا علم. وقال قوم:
هؤلاء جماعة من العرب يعرفون الله جلّ وعزّ يدلّ على قولهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: ٣] وفيهم من يؤمن بالبعث. قال زهير: [الطويل] ٤١٩-
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر | ليوم الحساب أو يعجّل فينقم |
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٩، وتيسير الداني ١٦١، ومختصر ابن خالويه ١٣٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٤٨.
(٤) الشاهد لزهير في ديوانه ص ١٨.