يجوز أن تقدّم إحداهما على الأخرى. فأما اعتراض الفرّاء «١» بكان وبالنسق على الأول فلا يلزم لأنه لا يجوز أن يكون معطوفا على المعنى: لأن المعنى فعل هذا، وقد نقض هو قوله بأن أجاز القراءة الأخرى على إضمار «أن»، وأنشد: [الطويل] ٥٦٧-

ألا أيّهذا اللّائمي أحضر الوغى وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي «٢»
يريد أن أحضر، ولو كان الأمر كما قال لنصب أحضر. وإضمار «أن» لا يجوز إلا بعوض لأنها بعض اسم. واعترض أبو عبيد فقال: الاختيار «فكّ رقبة» لأنه يتبين للعقبة، وحكي عن سفيان بن عيينة أنه قال كلّ ما قال جلّ وعزّ وما أدراك فقد بيّنه، وما قال فيه وما يدريك فلم يبيّنه. قال أبو جعفر: فهذا غلط قد قال الله عزّ وجلّ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ [القارعة: ٣] وقال تعالى ذكره: ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ٣] وليس بعد هذا يتبين. وروي عن الحسن وأبي رجاء أنهما قرءا «وأطعم في يوم ذا مسغبة» «٣» قال الفرّاء «٤» وإن كان لم يذكر من قرأ «ذا مسغبة» هو صفة ليتيم أي يتيما ذا مسغبة. قال أبو جعفر: والغلط في هذا بين جدا لأنه لا يجوز أن تتقدّم الصفة قبل الموصوف، ولست أدري كيف وقع هذا له حتى ذكره في كتاب «المعاني» ؟ ولكن يكون «ذا مسغبة» منصوبا بأطعم ويتيما بدلا منه.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٧]
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي ثبت على الإيمان، وقيل: ثم للإخبار وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أعيد الفعل والباء توكيدا.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٨]
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨)
أي يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وبأهل النار ذات الشمال إلى النار.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٢٠]
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
«٥» من أخذه من أصد فسبيله أن يهمز، ومن أخذه من أوصد لم يجز همزه.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٥.
(٢) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ٣٢، والكتاب ٣/ ١١٥، والإنصاف ٢/ ٥٦٠، وخزانة الأدب ١/ ١١٩، والدرر ١/ ٧٤، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٢٨٥، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٠٠، ولسان العرب (أنن) و (دنا)، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٠٢، والمقتضب ٢/ ٨٥، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١/ ٤٦٣، والدرر ٣/ ٣٣، ورصف المباني ١١٣، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٧، وشرح المفصل ٢/ ٧ ومجالس ثعلب ٣٨٣، ومغني اللبيب ٢/ ٣٨٣.
(٣) انظر الإتحاف ٢٧١.
(٤) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٥.
(٥) انظر تيسير الداني ١٨١. [.....]


الصفحة التالية
Icon