هُمْ
، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ويحتمل أن يكون كثرة الضالين من حيث العدد، وكثرة المهديين باعتبار الفضل والشرف كما قال:
قَليلُ إذا عُدُّوا كَثيرٌ إِذا شَدُّوا وقال:

إنَّ الكِرامَ كثيرٌ في البلادِ وإِن قَلُّوا كما غيرَهُم قلٌّ وإنْ كَثُرُوا
وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ أي الخارجين عن حد الإيمان، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ من قولهم: فسقت الرُطَبة عن قشرها إذا خرجت. وأصل الفسق: الخروج عن القصد قال رؤبة:
فواسِقاً عَنْ قَصْدِهَا جَوائراً والفاسق في الشرع: الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة، وله درجات ثلاث:
الأولى: التغابي وهو أن يرتكبها أحياناً مستقبحاً إياها.
الثانية: الانهماك وهو أن يعتاد ارتكابها غير مبال بها.
الثالثة: الجحود وهو أن يرتكبها مستصوباً إياها، فإذا شارف هذا المقام وتخطى خططه خلع ربقة الإيمان من عنقه، ولابس الكفر. وما دام هو في درجة التغابي أو الانهماك فلا يسلب عنه اسم المؤمن لاتصافه بالتصديق الذي هو مسمى الإيمان، ولقوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا والمعتزلة لما قالوا:
الإيمان: عبارة عن مجموع التصديق والإقرار والعمل، والكفر تكذيب الحق وجحوده. جعلوه قسماً ثالثاً نازلاً بين منزلتي المؤمن والكافر لمشاركته كل واحد منهما في بعض الأحكام، وتخصيص الإضلال بهم مرتباً على صفة الفسق يدل على أنه الذي أعدهم للإضلال، وأدى بهم إلى الضلال. وذلك لأن كفرهم وعدولهم عن الحق وإصرارهم بالباطل صرفت وجوه أفكارهم عن حكمة المثل إلى حقارة الممثل به، حتى رسخت به جهالتهم وازدادت ضلالتهم فأنكروه واستهزءوا به. وقرئ (يضل) بالبناء للمفعول و «الفاسقون» بالرفع.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧]
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ صفة للفاسقين للذم وتقرير الفسق. والنقض: فسخ التركيب، وأصله في طاقات الحبل، واستعماله في إبطال العهد من حيث إن العهد يستعار له الحبل لما فيه من ربط أحد المتعاهدين بالآخر، فإن أطلق مع لفظ الحبل كان ترشيحاً للمجاز، وإن ذكر مع العهد كان رمزاً إلى ما هو من روادفه وهو أن العهد حبل في ثبات الوصلة بين المتعاهدين كقولك شجاع يفترس أقرانه وعالم يفترق منه الناس فإن فيه تنبيها على أنه أسد في شجاعته بحر بالنظر إلى إفادته. والعهد: الموثق ووضعه لما من شأنه أن يراعي ويتعهد كالوصية واليمين، ويقال للدار، من حيث إنها تراعي بالرجوع إليها. والتاريخ لأنه يحفظ، وهذا العهد: إما العهد المأخوذ بالعقل، وهو الحجة القائمة على عباده الدالة على توحيده ووجوب وجوده وصدق رسوله، وعليه أُوِّلَ قوله تعالى: وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ. أو: المأخوذ بالرسل على الأمم، بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدق بالمعجزات صدقوه واتبعوه، ولم يكتموا أمره ولم يخالفوا حكمه، وإليه أشار بقوله:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ونظائره. وقيل: عهود الله تعالى ثلاثة: عهد أخذه على جميع ذرية آدم بأن يقروا بربوبيته، وعهد أخذه على النبيين بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وعهد أخذه على العلماء بأن يبينوا الحق ولا يكتموه.
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ الضمير للعهد والميثاق: اسم لما يقع به الوثاقة وهي الاستحكام، والمراد به ما وَثَقَ


الصفحة التالية
Icon