كصرد. ذلِكُمْ فِسْقٌ إشارة إلى الاستقسام، وكونه فسقاً لأنه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أن ذلك طريق إليه، وافتراء على الله سبحانه وتعالى إن أريد بربي الله، وجهالة وشرك إن أريد به الصنم أو الميسر المحرم أو إلى تناول ما حرم عليهم. الْيَوْمَ لم يرد به يوماً بعينه وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الآتية. وقيل أراد يوم نزولها وقد نزلت بعد عصر يوم الجمعة في عرفة حجة الوداع. يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ أي من إبطاله ورجوعكم عنه بتحليل هذه الخبائث وغيرها أو من أن يغلبوكم عليه. فَلا تَخْشَوْهُمْ أن يظهروا عليكم. وَاخْشَوْنِ وأخلصوا الخشية لي. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بالنصر والإظهار على الأديان كلها، أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد.
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بالهداية والتوفيق أو بإكمال الدين أو بفتح مكة وهدم منار الجاهلية. وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً اخترته لكم ديناً من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير. فَمَنِ اضْطُرَّ متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض لما يوجب التجنب عنها، وهو أن تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإِسلام المرضي. والمعنى: فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات. فِي مَخْمَصَةٍ مجاعة غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ غير مائل له ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذاً أو مجاوزاً حد الرخصة كقوله: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ. فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه بأكله.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤)
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ لما تضمن السؤال معنى القول أوقع على الجملة، وقد سبق الكلام في مَاذَا وإنما قال لهم ولم يقل لنا على الحكاية، لأن يَسْئَلُونَكَ بلفظ الغيبة وكلا الوجهين سائغ في أمثاله، والمسؤول ما أحل لهم من المطاعم كأنهم لما تلي عليهم ما حرم عليهم سألوا عما أحل لهم. قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر عنه ومن مفهومه حرم مستخبثات العرب، أو ما لم يدل نص ولا قياس على حرمته. وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ عطف على الطَّيِّباتُ إن جعلت مَا موصولة على تقدير وصيد ما علمتم، وجملة شرطية إن جعلت شرطاً وجوابها فَكُلُوا والْجَوارِحِ كواسب الصيد على أهلها من سباع ذوات الأربع والطير مُكَلِّبِينَ معلمين إياه الصيد، والمكلب مؤدب الجوارح ومضر بها بالصيد. مشتق من الكلب، لأن التأديب يكون أكثر فيه وآثر، أو لأن كل سبع يسمى كلبا
لقوله عليه الصلاة والسلام «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك»
وانتصابه على الحال من علمتم وفائدتها المبالغة في التعليم.
تُعَلِّمُونَهُنَّ حال ثانية أو استئناف. مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ من الحيل وطرق التأديب، فإن العلم بها إلهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه سبحانه وتعالى، أو مما علمكم الله أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه، وأن ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه. فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وهو ما لم تأكل منه
لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم «وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه»
. وإليه ذهب أكثر الفقهاء وقال بعضهم: لا يشترط ذلك في سباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر، وقال آخرون لا يشترط مطلقاً. وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ الضمير لما علمتم والمعنى: سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن بمعنى سموا عليه إذا أدركتم ذكاته. وَاتَّقُوا اللَّهَ في محرماته. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ فيؤاخذكم بما جل ودق.
[سورة المائدة (٥) : آية ٥]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)


الصفحة التالية
Icon