أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لو لإفضائه إلى نفي الطبع عنهم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ سماع تفهم واعتبار.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢)
تِلْكَ الْقُرى يعني قرى الأمم المار ذكرهم. نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها حال إن جعل الْقُرى خبراً وتكون إفادته بالتقييد بها، وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين ومِنْ للتبعيض أي نقص بعض أنبائها، ولها أنباء غيرها لا نقصها. وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات. فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عند مجيئهم بها. بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولاً حين جاءتهم الرسل، ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإِيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم. كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر. وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ لأكثر الناس، والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين. مِنْ عَهْدٍ من وفاء عهد، فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإِيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج، أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضر ومخافة مثل لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ أي علمناهم.
لَفاسِقِينَ من وجدت زيدا ذا الحفاظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة، وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٥]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى الضمير للرسل في قوله: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أو للأمم. بِآياتِنا يعني المعجزات. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها بأن كفروا بها مكان الإِيمان الذي هو من حقها لوضوحها، ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا. وفرعون لقب لمن ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس وكان اسمه قابوس، وقيل الوليد بن مصعب بن الريان. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ.
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إليك، وقوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ لعله جواب لتكذيبه إياه في دعوى الرسالة، وإنما لم يذكر لدلالة قوله فَظَلَمُوا بِها عليه وكان أصله حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ كما قرأ نافع فقلب لأمن الإِلباس كقوله: وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر. أو لأن ما لزمك فقد لزمته، أو للإغراق في الوصف بالصدق، والمعنى أنه حق واجب على القول الحق أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ناطقاً به، أو ضمن حقيق معنى حريص، أو وضع على مكان الباء لإفادة التمكن كقولهم: رميت على القوس وجئت على حال حسنة، ويؤيده قراءة أبي بالباء. وقرئ «حقيق أن لا أقول» بدون على. قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم، وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال.