ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان. وقرئ «ويقلبهم» بالياء والضمير لله تعالى، و «تَقَلُبَهُمْ» على المصدر منصوباً بفعل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم. وَكَلْبُهُمْ هو كلب مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله تعالى فقال: أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم. أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب، ويؤيده قراءة من قرأ: «وكالبهم» أي وصاحب كلبهم. باسِطٌ ذِراعَيْهِ حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل. بِالْوَصِيدِ بفناء الكهف، وقيل الوصيد الباب، وقيل العتبة. لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فنظرت إليهم، وقرئ «لَو اطلعت» بضم الواو. لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً لهربت منهم، وفِراراً يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال. وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً خوفاً يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم. وقيل لوحشة مكانهم. وعن معاوية رضي الله عنه أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال: لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً فلم يسمع وبعث ناساً فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم. وقرأ الحجازيان لَمُلِئْتَ بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب رُعْباً بالتثقيل.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا. لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ ليسأل بعضهم بعضاً فتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقيناً على كمال قدرة الله تعالى، ويستبصروا به أمر البعث ويشكروا ما أنعم الله به عليهم. قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بناء على غالب ظنهم لأن النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك أحالوا العلم إلى الله تعالى. قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا إنكار الآخرين عليهم. وقيل إنهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا ظهيرة وظنوا أنهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه أخذوا فيما يهمهم وقالوا: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف. وقرئ بالتثقيل وإدغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغماً وغير مدغم، ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده، وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس. فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أي أهلها. أَزْكى طَعاماً أحل وأطيب أو أكثر وأرخص. فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن، أو في التخفي حتى لا يعرف. وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور.
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم، والضمير للأهل المقدر في أَيُّها. يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم. أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أو يصيروكم إليها كرهاً من العود بمعنى الصيرورة. وقيل كانوا أولاً على دينهم فآمنوا. وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً إن دخلتم في ملتهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢١]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)