وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة. كَماءٍ هي كماء ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ل اضْرِبْ على أنه بمعنى صير. أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه، أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفاً بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته. فَأَصْبَحَ هَشِيماً مهشوماً مكسوراً. تَذْرُوهُ الرِّياحُ تفرقه، وقرئ «تذريه» من أذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة، وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر وارفاً ثم هشيماً تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن. وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإِنشاء والإِفناء.
مُقْتَدِراً قادراً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتزين بها الإِنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب. وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ وأعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد، ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب. خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ من المال والبنين. ثَواباً عائدة. وَخَيْرٌ أَمَلًا لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٧]
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثاً. ويجوز عطفه على عِنْدَ رَبِّكَ أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ «تسير» من سارت. وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها، وقرئ «وترى» على بناء المفعول. وَحَشَرْناهُمْ وجمعناهم إلى الموقف، ومجيئه ماضياً بعد نُسَيِّرُ وَتَرَى لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار قد. فَلَمْ نُغادِرْ فلم نترك. مِنْهُمْ أَحَداً يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السيل، وقرئ بالياء.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ
شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم.
ًّا
مصطفين لا يحجب أحد أحدا. قَدْ جِئْتُمُونا
على إضمار القول على وجه يكون حالاً أو عاملاً في يوم نسير. ما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله: لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
وقتاً لإنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به، وبل للخروج من قصة إلى أخرى.
وَوُضِعَ الْكِتابُ صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع


الصفحة التالية
Icon