يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ بدل منه مبين. وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وفي الإِنجاء أو العذاب نعمة أو محنة عظيمة.
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً ذا القعدة، وقرأ أبو عمرو ويعقوب «ووعدنا». وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ من ذي الحجة. فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بالغاً أربعين.
روي: أنه عليه السلام وعد بني إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل ربه فأمره الله بصوم ثلاثين، فلما أتم أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدته بالسواك، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشراً.
وقيل أمره بأن يتخلى ثلاثين بالصوم والعبادة ثم أنزل عليه التوراة في العشر وكلمه فيها. وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي كن خليفتي فيهم. وَأَصْلِحْ ما يجب أن يصلح من أمورهم أو كن مصلحاً. وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ولا تتبع من سلك الإِفساد ولا تطع من دعاك إليه.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٣]
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا لوقتنا الذي وقتناه، واللام للاختصاص أي اختص مجيئه لميقاتنا. وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير وسيط كما يكلم الملائكة، وفيما
روي: أن موسى عليه السلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة تنبيه على أن سماع كلامه القديم ليس من جنس كلام المحدثين.
قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أرني نفسك بأن تمكنني من رؤيتك، أو تتجلى لي فأنظر إليك وأراك. وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال، وخصوصاً ما يقتضي الجهل بالله ولذلك رده بقوله تعالى:
لَنْ تَرانِي دون لن أرى أو لن أريك أو لن تنظر إليَّ، تنبيهاً على أنه قاصر عن رؤيته لتوقفها على معد في الرائي لم يوجد فيه بعد، وجعل السؤال لتبكيت قومه الذين قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً خطأ إذ لو كانت الرؤية ممتنعة لوجب أن يجهلهم ويزيح شبهتهم كما فعل بهم حين قالوا: اجْعَلْ لَنا إِلهاً ولا يتبع سبيلهم كما قال لأخيه وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ والاستدلال بالجواب على استحالتها أشد خطأ إذ لا يدل الإِخبار عن عدم رؤيته إياه على أن لا يراه أبداً وأن لا يراه غيره أصلاً فضلاً عن أن يدل على استحالتها ودعوى الضرورة فيه مكابرة أو جهالة بحقيقة الرؤية. قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي استدراك يريد أن يبين به أنه لا يطيقه، وفي تعليق الرؤية بالاستقرار أيضاً دليل على الجواز ضرورة أن المعلق على الممكن ممكن، والجبل قيل هو جبل زبير. فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وأمره. وقيل أعطى له حياة ورؤية حتى رآه. جَعَلَهُ دَكًّا مدكوكاً مفتتاً والدك والدق أخوان كالشك والشق، وقرأ حمزة والكسائي «دكاء» أي أرضاً مستوية ومنه ناقة دكاء التي لا سنام لها. وقرئ دَكًّا أي قطعاً جمع دكاء. وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً مغشياً عليه من هول ما رأى. فَلَمَّا أَفاقَ قالَ تعظيماً لما رأى. سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من الجراءة والإِقدام على السؤال من غير إذن. وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ مر تفسيره. وقيل معناه أنا أول من آمن بأنك لا ترى في الدنيا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]
قالَ يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥)


الصفحة التالية
Icon