مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ تصريح بأن الهدى والضلال من الله، وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض، وأنها مستلزمة للاهتداء والإِفراد في الأول والجمع في الثاني باعتبار اللفظ، والمعنى تنبيه على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين، والاقتصار في الإِخبار عمن هداه الله بالمهتدي تعظيم لشأن الاهتداء، وتنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها.
وَلَقَدْ ذَرَأْنا خلقنا. لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعني المصرين على الكفر في علمه تعالى.
لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِها إذ لا يلقونها إلى معرفة الحق والنظر في دلائله. وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِها أي لا ينظرون إلى مَا خَلَقَ الله نظر اعتبار. وَلَهُمْ آذانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِها الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر.
أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ في عدم الفقه والإِبصار للاعتبار والاستماع للتدبر، أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها. بَلْ هُمْ أَضَلُّ فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار، وتجتهد في جلبها ودفعها غاية جهدها، وهم ليسوا كذلك بل أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار. أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الكاملون في الغفلة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٠ الى ١٨١]
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١)
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني، والمراد بها الألفاظ وقيل الصفات.
فَادْعُوهُ بِها فسموه بتلك الأسماء. وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ واتركوا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه، إذ ربما يوهم معنى فاسداً كقولهم يا أبا المكارم يا أبيض الوجه، أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمى به نفسه كقولهم: ما نعرف إلا رحمان اليمامة، أو وذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام واشتقاق أسمائها منها كاللات من «الله»، والعزى من «العزيز» ولا توافقوهم عليه أو أعرضوا عنهم فإن الله مجازيهم كما قال: سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ وقرأ حمزة هنا وفي «فصلت» يُلْحِدُونَ بالفتح يقال:
لحد وألحد إذا مال عن القصد.
وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ذكر ذلك بعد ما بين أنه خلق للنار طائفة ضالين ملحدين عن الحق للدلالة على أنه خلق أيضاً للجنة أمة هادين بالحق عادلين في الأمر، واستدل به على صحة الإِجماع لأن المراد منه أن في كل قرن طائفة بهذه الصفة
لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تزال من أمتي طائفة على الحق إلى أن يأتي أمر الله»
، إذ لو اختص بعهد الرسول أو غيره لم يكن فائدة فإنه معلوم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٢ الى ١٨٤]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سنستدنيهم إلى الهلاك قليلاً قليلاً، وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة. مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ما نريد بهم وذلك أن تتواتر عليهم النعم فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم، فيزدادوا بطراً وانهماكاً في الغي حتى يحق عليهم كلمة العذاب.
وَأُمْلِي لَهُمْ وأمهلهم عطف على سَنَسْتَدْرِجُهُمْ. إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ إن أخذي شديد، وإنما سماه كيدا لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم. مِنْ جِنَّةٍ من جنون.
روي: أنه صلّى الله عليه وسلّم صعد على