(٩) سورة براءة
مدنية وقيل إلا آيتين من قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وهي آخر ما نزل ولها أسماء أخر، «التوبة» و «المقشقشة» و «البحوث» و «المبعثرة» و «المنقرة» و «المثيرة» و «الحافرة» و «المخزية» و «الفاضحة» و «المنكلة» و «المشردة» و «المدمدمة» و «سورة العذاب» لما فيها من التوبة للمؤمنين والقشقشة من النفاق وهي التبري منه، والبحث عن حال المنافقين وإثارتها، والحفر عنها وما يخزيهم ويفضحهم وينكلهم ويشردهم ويدمدم عليهم.
وأيها مائة وثلاثون وقيل تسع وعشرون، وإنما تركت التسمية فيها لأنها نزلت لرفع الأمان وبسم الله أمان. وقيل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزلت عليه سورة أو آية بين موضعها، وتوفي ولم يبين موضعها وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال وتناسبها لأن في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذها فضمت إليها. وقيل لما اختلفت الصحابة في أنهما سورة واحدة هي سابعة السبع الطوال أو سورتان تركت بينهما فرجة ولم تكتب بسم الله.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١ الى ٢]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي هذه براءة، ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره وأصله مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ويجوز أن تكون بَراءَةٌ مبتدأ لتخصصها بصفتها والخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وقرئ بنصبها على اسمعوا براءة، والمعنى: أن الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين، وإنما علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين للدلالة على أنه يجب عليهم نبذ عهود المشركين إليهم وإن كانت صادرة بإذن الله تعالى واتفاق الرسول فإنهما برئا منها، وذلك أنهم عاهدوا مشركي العرب فنكثوا إلا أناساً منهم بنو ضمرة وبنو كنانة فأمرهم بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهل المشركين أربعة أشهر ليسيروا أين شاؤوا فقال:
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم لأنها نزلت في شوال. وقيل هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر لأن التبليغ كان يوم النحر لما
روي (أنها لما نزلت أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا رضي الله عنه راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم، وكان قد بعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه أميراً على الموسم فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي عني إلا رجل مني، فلما دنا علي رضي الله تعالى عنه سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال: هذا رغاء ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما لحقه قال: أمير أو مأمور قال مأمور، فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه وحدثهم عن مناسكهم وقام علي رضي الله عنه يوم النحر عند جمرة العقبة فقال: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ثم قال: أمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده).
ولعل
قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا يؤدي عني إلا رجل مني»
ليس على العموم، فإنه صلّى الله عليه وسلّم بعث لأن يؤدي عنه كثير لم يكونوا من عترته، بل هو مخصوص بالعهود فإن عادة العرب أن لا يتولى العهد ونقضه على القبيلة إلا رجل