مبهمة وأَنْ عَبَّدْتَ عطف بيانها والمعنى: تعبيدك بني إسرائيل نعمة تَمُنُّها علي، وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده، والخوف والفرار منه ومن ملئه.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ لما سمع جواب ما طعن به فيه ورأى أنه لم يرعو بذلك شرع في الاعتراض على دعواه فبدأ بالاستفسار عن حقيقة المرسل.
قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا عرفه بأظهر خواصه وآثاره لما امتنع تعريف الأفراد إلا بذكر الخواص والأفعال وإليه أشار بقوله:
إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم موقنين الأشياء محققين لها علمتم أن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها، فلها مبدئ واجب لذاته وذلك المبدئ لا بد وأن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب، أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال ثم ذلك الواجب لا يمكن تعريفه إلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب في ذاته.
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله، أو يزعم أنه رَبُّ السَّماواتِ وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية، أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)
قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ عدولاً إلى ما لا يمكن أن يتوهم فيه مثله ويشك في افتقاره إلى مصور حكيم ويكون أقرب إلى الناظر وأوضح عند التأمل.
قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ أسأله عن شيء ويجيبني عن آخر، وسماه رسولاً على السخرية.
قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما تشاهدون كل يوم أنه يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنتظم به أمور الكائنات. إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ إن كان لكم عقل علمتم أن لا جواب لكم فوق ذلك لا ينهم أولاً، ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠)
قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ عدولاً إلى التهديد عن المحاجة بعد الانقطاع وهكذا ديدن المعاند المحجوج، واستدل به على ادعائه الألوهية وإنكاره الصانع وأن تعجبه بقوله أَلا تَسْتَمِعُونَ من نسبة الربوبية إلى غيره، ولعله كان دهرياً اعتقد أن من ملك قطراً أو تولى أمره بقوة طالعه استحق العبادة من أهله، واللام في الْمَسْجُونِينَ للعهد أي ممن عرفت حالهم في سجوني فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك جعل أبلغ من لأسجننك.
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي أتفعل ذلك ولو جئتك بشيء يبين صدق دعواي، يعني المعجزة فإنها


الصفحة التالية
Icon