قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً عنوة وغلبة. أَفْسَدُوها تزييف لما أحست منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية، وإشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها. وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإِهانة والأسر. وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة، أو تصديق لها من الله عز وجل.
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ بيان لما ترى تقديمه في المصالحة، والمعنى إني مرسلة رسلاً بهدية أدفعه بها عن ملكي. فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ من حاله حتى أعمل بحسب ذلك.
روي أنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وأرسلت معهم غلماناً على زي الجواري وجواري على زي الغلمان، وحُقاً فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت: إن كان نبياً ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقباً مستوياً وسلك في الخرزة خيطاً، فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم، فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه، فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧)
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ أي الرسول أو ما أهدت إليه وقرئ «فلما جاءوا». قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ خطاب للرسول ومن معه، أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب. وقرأ حمزة ويعقوب بالإدغام وقرئ بنون واحدة وبنونين وحذف الياء. فَما آتانِيَ اللَّهُ من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها وبإمالتها الكسائي وحده. خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي. بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ لأنكم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فتفرحون بما يهدى إليكم حباً لزيادة أموالكم، أو بما تهدونه افتخاراً على أمثالكم، والإِضراب عن إنكار الإِمداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها.
ارْجِعْ أيها الرسول. إِلَيْهِمْ إلى بلقيس وقومها. فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِها لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرئ «بهم». وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها من سبأ. أَذِلَّةً بذهاب ما كانوا فيه من العز. وَهُمْ صاغِرُونَ أسراء مهانون.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النبوة، ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره؟.
قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ فإنها إذا أتت مسلمة لم يحل أخذه إلا برضاها.
قالَ عِفْرِيتٌ خبيث مارد. مِنَ الْجِنِّ بيان له لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه، وكان اسمه ذكوان أو صخرا. أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف