إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً وتكذبون كذباً في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى، أو تعملونها وتنحتونها للإِفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل، وقرئ «تخلقون» من خلق للتكثير و «تخلقون» من تخلق للتكلف، و «إِفْكاً» على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقاً ذا إفك. إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً دليل ثان على شرارة ذلك من حيث إنه لا يجدي بطائل، ورِزْقاً يحتمل المصدر بمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم وأن يراد المرزوق وتنكيره للتعميم. فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ كله فإنه المالك له. وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره، أو مستعدين للقائه بهما، فإنه: إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وقرئ بفتح التاء.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٨ الى ١٩]
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا وإن تكذبوني. فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ من قبلي من الرسل فلم يضرهم تكذيبهم وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبكم. وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ الذي يزال معه الشك وما عليه أن يصدق ولا يكذب، فالآية وما بعدها من جملة قصة إِبْراهِيمَ إلى قوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ ويحتمل أن تكون اعتراضاً بذكر شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقريش وهدم مذهبهم والوعيد على سوء صنيعهم، توسط بين طرفي قصته من حيث إن مساقها لتسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتنفيس عنه، بأن أباه خليل الله صلوات الله عليهما كان ممنواً بنحو ما مني به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم في قومه.
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ من مادة ومن غيرها، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء على تقدير القول وقرئ «يبدأ». ثُمَّ يُعِيدُهُ إخبار بالإِعادة بعد الموت معطوف على أَوَلَمْ يَرَوْا لا على يُبْدِئُ، فإن الرؤية غير واقعة عليه ويجوز أن تؤول الإعادة بأن ينشئ في كل سنة مثل ما كان في السنة السابقة من النبات والثمار ونحوهما وتعطف على يُبْدِئُ. إِنَّ ذلِكَ الإِشارة إلى الإِعادة أو إلى ما ذكر من الأمرين. عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ حكاية كلام الله لإِبراهيم أو محمد عليهما الصلاة والسلام. فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على اختلاف الأجناس والأحوال. ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ بعد النشأة الأولى الّتي هي الإبداء، فإنه والإِعادة نشأتان من حيث أن كلاً اختراع وإخراج من العدم، والإِفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإِعادة، وأن من عرف بالقدرة على الإِبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإِعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر، وقرئ «النشاءة» كالرآفة. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه. وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ رحمته. وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تردون.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)