يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلا وقت أن يؤذن لكم أو إلا مأذوناً لكم.
إِلى طَعامٍ متعلق ب يُؤْذَنَ لأنه متضمن معنى يدعى للإشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وإن أذن كما أشعر به قوله: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ غير منتظرين وقته، أو إدراكه حال من فاعل لاَ تَدْخُلُوا أو المجرور في لَكُمْ. وقرئ بالجر صفة لطعام فيكون جارياً على غير من هوله بلا إبراز الضمير، وهو غير جائز عند البصريين وقد أمال حمزة والكسائي إناه لأنه مصدر أنى الطعام إذا أدرك. وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا تفرقوا ولا تمكثوا، ولأنه خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإِدراكه، مخصوصة بهم وبأمثالهم وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بالإِذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لمهم. وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ لحديث بعضكم بعضاً، أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على ناظِرِينَ أو مقدر بفعل أي: ولا تدخلوا أو ولا تمكثوا مستأنسين. إِنَّ ذلِكُمْ اللبث كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله بما لا يعنيه. فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ من إخراجكم بقوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ يعني أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لم يتركه الله ترك الحيي فأمركم بالخروج، وقرئ «لاَ يَسْتَحْىِ» بحذف الياء الأولى وإلقاء حركتها على الحاء. وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً شيئا ينتفع به. فَسْئَلُوهُنَّ المتاع. مِنْ وَراءِ حِجابٍ ستر.
روي «أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت».
وقيل أنه عليه الصلاة والسلام كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل يد عائشة رضي الله عنها فكره النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك فنزلت.
ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من الخواطر النفسانية الشيطانية. وَما كانَ لَكُمْ وما صح لكم. أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ أن تفعلوا ما يكرهه. وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً من بعد وفاته أو فراقه، وخص التي لم يدخل بها، لما
روي أن أشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر رضي الله عنه فهم برجمها، فأخبر بأنه عليه الصلاة والسلام فارقها قبل أن يمسها فتركها من غير نكير.
إِنَّ ذلِكُمْ يعني إيذاءه ونكاح نسائه. كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً ذنباً عظيماً، وفيه تعظيم من الله لرسوله وإيجاب لحرمته حياً وميتاً ولذلك بالغ في الوعيد عليه فقال:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لاَّ جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً كنكاحهن على ألسنتكم. أَوْ تُخْفُوهُ في صدوركم. فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيعلم ذلك فيجازيكم به، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد.
لاَّ جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم.
روي: أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: يا رسول الله أو نكلمهن أيضاً من وراء حجاب فنزلت.
وإنما لم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمى العم أبا في قوله وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ أو لأنه كره ترك الاحتجاب عنهما مخافة أن يصفا لأبنائهما. وَلا نِسائِهِنَّ يعني نساء المؤمنات. وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ من العبيد والإماء، وقيل من الإِماء خاصة وقد مر في سورة «النور». وَاتَّقِينَ اللَّهَ فيما أمرتن به. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً لا يخَفى عليه خافية.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٦]
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)