وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن بمحمّد عليه الصلاة والسلام وبينهما ستمائة سنة، وقيل كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه.
قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.
اتَّبِعُوا مَنْ لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على النصح وتبليغ الرسالة. وَهُمْ مُهْتَدُونَ إلى خير الدارين.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَما لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)
وَما لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل، تلطف في الإِرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال:
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً لا تنفعني شفاعتهم. وَلا يُنْقِذُونِ بالنصرة والمظاهرة.
إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فإن إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضراً بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل، وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي خلقكم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء. فَاسْمَعُونِ فاسمعوا إيماني، وقيل الخطاب للرسل فإنه لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحوهم قبل أن يقتلوه.
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة، أو إكراماً وإذناً في دخولها كسائر الشهداء، أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وإنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم، والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه في نصر دينه وكذلك: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القول، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإِيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على حق، وقرئ «المكرمين» و «ما» خبرية أو مصدرية والباء صلة يَعْلَمُونَ أو استفهامية جاء على الأصل، والباء صلة غفر أي بأي شيء غَفَرَ لي، يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم.
[سورة يس (٣٦) : آية ٢٨]
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨)
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ من بعد إهلاكه أو رفعه. مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لإِهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، وفيه استحقار لإِهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول عليه السلام.
وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ وما صح في حكمتنا أن ننزل جنداً لإِهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سبباً وجعلنا ذلك سبباً لانتصارك من قومك، وقيل مَا موصولة معطوفة على جُنْدٍ أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من