وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ رد لقولهم إن محمداً شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن، فإنه لا يماثله لفظاً ولا معنى لأنه غير مقفى ولا موزون، وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوها.
وَما يَنْبَغِي لَهُ وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحواً من أربعين سنة،
وقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»
وقوله: هَلٌ أَنَتَ إلا إِصبعٌ دَميت وفي سَبِيلِ الله مَا لقيتِ
اتفاقيٌ من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك، وقد يقع مثله كثيراً في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعراً، هذا وقد روي أنه حرك الباءين وكسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية، وقيل الضمير لل قُرْآنٌ أي وما يصح للقرآن أن يكون شعراً. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة وإرشاد من الله تعالى.
وَقُرْآنٌ مُبِينٌ وكتاب سماوي يتلى في المعابد، ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإِعجاز.
لِيُنْذِرَ القرآن أو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء. مَنْ كانَ حَيًّا عاقلاً فهما فإن الغافل كالميت، أو مؤمناً في علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالإِيمان، وتخصيص الإِنذار به لأنه المنتفع به. وَيَحِقَّ الْقَوْلُ وتجب كلمة العذاب. عَلَى الْكافِرِينَ المصرين على الكفر، وجعلهم في مقابلة من كان حياً إشعاراً بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص، والتفرد بالإِحداث. أَنْعاماً خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع. فَهُمْ لَها مالِكُونَ متملكون لها بتمليكنا إياها، أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال:

أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلا أَمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ إِنْ نَفَرَا
وَذَلَّلْناها لَهُمْ وصيرناها منقادة لهم. فَمِنْها رَكُوبُهُمْ مركوبهم، وقرئ «ركوبتهم»، وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة، وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها رَكُوبُهُمْ. وَمِنْها يَأْكُلُونَ أي ما يأكلون لحمه.
وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود والأصواف والأوبار. وَمَشارِبُ من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع، أو المصدر وأمال الشين ابن عامر وحده برواية هشام. أَفَلا يَشْكُرُونَ نعم الله في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف أمكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة، وعلموا أنه المتفرد بها. لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم.


الصفحة التالية
Icon