لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ لآلهتهم. جُنْدٌ مُحْضَرُونَ معدون لحفظهم والذب عنهم، أو مُحْضَرُونَ أثرهم في النار.
فَلا يَحْزُنْكَ فلا يهمك، وقرئ بضم الياء من أحزن. قَوْلُهُمْ في الله بالإِلحاد والشرك، أو فيك بالتكذيب والتهجين. إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ فنجازيهم عليه وكفى ذلك أن تتسلى به، وهو تعليل للنهي على الاستئناف ولذلك لو قرئ إِنَّا بالفتح على حذف لام التعليل جاز.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر، وفيه تقبيح بليغ لإِنكاره حيث عجب منه وجعله إفراطاً في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو أهون مما عمله في بدء خلقه، ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفاً مكرماً بالعقوق والتكذيب.
روي «أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعظم بال يفتته بيده وقال:
أترى الله يحيي هذا بعد ما رم، فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت.
وقيل معنى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فإذا هو بعد ما كان ماء مهيناً مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه.
وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا أمراً عجيباً وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، أو تشبيهه بخلقه بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه. وَنَسِيَ خَلْقَهُ خلقنا إياه. قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ منكراً إياه مستبعداً له، والرميم ما بلي من العظام، ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسماً بالغلبة ولذلك لم يؤنث، أو بمعنى مفعول من رممته. وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها. وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يعلم تفاصيل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها، فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتتة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها، وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق وإعادة الأعراض والقوى التي كانت فيها أو إحداث مثلها.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ كالمرخ والعفار. نَارًا بأن يسحق المرخ على العفار وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار. فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ لا تشكون في أنها نار تخرج منه، فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضاً فيبس وبلي، وقرئ «من الشجر الخضراء» على المعنى كقوله فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع كبر جرمهما وعظم شأنهما. بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الصغر والحقارة بالإِضافة إليهما، أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وعن يعقوب «يقدر».
بَلى جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه. وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ كثير