وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ أي هلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ في أمر الجهاد. فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ مبينة لا تشابه فيها. وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ أي الأمر به. رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ضعف في الدين وقيل نفاق. يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ جبناً ومخافة. فَأَوْلى لَهُمْ فويل لَهُمْ، أفعل من الولي وهو القرب، أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم.
طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ استئناف أي أمرهم طاعَةٌ أو طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خير لهم، أو حكاية قولهم لقراءة أُبيّ «يقولون طاعة». فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ أي جد وهو لأصحاب الأمر، وإسناده إليه مجاز وعامل الظرف محذوف، وقيل فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإِيمان. لَكانَ الصدق. خَيْراً لَهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ فهل يتوقع منكم. إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أمور الناس وتأمرتم عليهم، أو اعرضتم وتوليتم عن الإِسلام. أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ تناحراً على الولاية وتجاذباً لها، أو رجوعاً إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم: هل عسيتم، وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لا يلحقون الضمير به وخبره أَنْ تُفْسِدُوا وإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اعتراض، وعن يعقوب تَوَلَّيْتُمْ أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإِفساد وقطيعة الرحم وَتُقَطِّعُوا من القطع، وقرئ تقطعوا من التقطع.
أُولئِكَ إشارة إلى المذكورين. الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ لإِفسادهم وقطعهم الأرحام. فَأَصَمَّهُمْ عن استماع الحق. وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ فلا يهتدون سبيله.
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي. أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر، وقيل أَمْ منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير، وتنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو للإِشعار بأنها لإِبهام أمرها في القساوة، أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة. وقرئ «إقفالها» على المصدر.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ أي إلى ما كانوا عليه من الكفر. مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة. الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء.
وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني، وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واواً لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل، ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرئ «سَوَّلَ» على تقدير مضاف أي كيد الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ. وَأَمْلى لَهُمْ ومد لهم في الآمال والأماني، أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب وَأَمْلى لَهُمْ، أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف، وقرأ أبو عمرو وَأَمْلى لَهُمْ على البناء للمفعول وهو ضمير الشَّيْطانُ أو لَهُمُ.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ نعته للمنافقين، أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين. سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا، والتظافر على الرسول صلّى الله عليه وسلم. وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم، وقرأ حمزة والكسائي وحفص إِسْرارَهُمْ على المصدر.